القول في تأويل قوله تعالى : ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم  بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم   ( 12 ) ) 
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم   ) فقال بعضهم : معنى ذلك : يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يضيء نورهم بين أيديهم وبأيمانهم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله : ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات   ) الآية . ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول :  " من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة  إلى عدن  أبين فصنعاء ،  فدون ذلك ، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه " .  [ ص: 179 ] 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة  بنحوه . 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا ابن إدريس  قال : سمعت أبي يذكر عن  المنهال بن عمرو  ، عن قيس بن سكن  ، عن عبد الله  قال : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم ، وأدناهم نورا على إبهامه يطفأ مرة ويوقد مرة . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى إيمانهم وهداهم بين أيديهم ، وبأيمانهم كتبهم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم   ) كتبهم . يقول الله : " فأما من أوتي كتابه بيمينه " . وأما نورهم فهداهم . 
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن الضحاك  ، وذلك أنه لو عنى بذلك النور الضوء المعروف لم يخص عنه الخبر بالسعي بين الأيدي والأيمان دون الشمائل ؛ لأن ضياء المؤمنين الذي يؤتونه في الآخرة يضيء لهم جميع ما حولهم . وفي خصوص الله - جل ثناؤه - الخبر عن سعيه بين أيديهم وبأيمانهم دون الشمائل ما يدل على أنه معني به غير الضياء ، وإن كانوا لا يخلون من الضياء . 
فتأويل الكلام - إذ كان الأمر على ما وصفنا - : وكلا وعد الله الحسنى ، يوم ترون المؤمنين والمؤمنات يسعى ثواب إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم ، وفي أيمانهم كتب أعمالهم تتطاير . 
ويعني بقوله : ( يسعى ) : يمضي . والباء في قوله : ( وبأيمانهم ) بمعنى في . وكان بعض نحويي البصرة  يقول : الباء في قوله : ( وبأيمانهم ) بمعنى على أيمانهم .  [ ص: 180 ] 
وقوله : ( يوم ترى ) : من صلة وعد . 
وقوله : ( بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار   ) يقول - تعالى ذكره - : يقال لهم : بشارتكم اليوم - أيها المؤمنون - التي تبشرون بها جنات تجري من تحتها الأنهار ، فأبشروا بها . 
وقوله : ( خالدين فيها ) يقول : ماكثين في الجنات ، لا ينتقلون عنها ولا يتحولون . 
وقوله : ( ذلك هو الفوز العظيم ) يقول : خلودهم في الجنات - التي وصفها - هو النجح العظيم الذي كانوا يطلبونه بعد النجاة من عقاب الله ، ودخول الجنة خالدين فيها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					