القول في تأويل قوله تعالى : ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا  ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير   ( 3 ) ) 
يقول - جل ثناؤه - : والذين يقولون لنسائهم : أنتن علينا كظهور أمهاتنا . 
وقوله : ( ثم يعودون لما قالوا   ) : اختلف أهل العلم في معنى العود لما قال المظاهر ، فقال بعضهم : هو الرجوع في تحريم ما حرم على نفسه من زوجته التي كانت له حلالا قبل تظاهره ، فيحلها بعد تحريمه إياها على نفسه بعزمه على غشيانها ووطئها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا عبد الأعلى  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   ( ثم يعودون لما قالوا   ) قال : يريد أن يغشى بعد قوله . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة  مثله . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة   ( ثم يعودون لما قالوا   ) قال : حرمها ، ثم يريد أن يعود لها فيطأها . 
وقال آخرون نحو هذا القول ، إلا أنهم قالوا : إمساكه إياها بعد تظهيره منها ، وتركه فراقها عود منه لما قال ، عزم على الوطء أو لم يعزم . وكان أبو العالية يقول : معنى قوله : ( لما قالوا ) : فيما قالوا . 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثني عبد الأعلى  قال : ثنا داود  قال : سمعت أبا العالية  يقول في قوله : ( ثم يعودون لما قالوا   ) : أي يرجع فيه .  [ ص: 230 ] 
واختلف أهل العربية في معنى ذلك ، فقال بعض نحويي البصرة  في ذلك المعنى : فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ، فمن لم يجد فصيام ، فإطعام ستين مسكينا ، ثم يعودون لما قالوا : إنا لا نفعله فيفعلونه . هذا الظهار يقول : هي علي كظهر أمي ، وما أشبه هذا من الكلام ، فإذا أعتق رقبة ، أو أطعم ستين مسكينا عاد لما قد قال : هو علي حرام ، يفعله . وكأن قائل هذا القول كان يرى أن هذا من المقدم الذي معناه التأخير . 
وقال بعض نحويي الكوفة   ( ثم يعودون لما قالوا   ) يصلح فيها في العربية : ثم يعودون إلى ما قالوا ، وفيما قالوا ، يريدون النكاح ، يريد : يرجعون عما قالوا ، وفي نقض ما قالوا . قال : ويجوز في العربية أن تقول : إن عاد لما فعل ، تريد إن فعل مرة أخرى ، ويجوز إن عاد لما فعل : إن نقض ما فعل ، وهو كما تقول : حلف أن يضربك ، فيكون معناه : حلف لا يضربك ، وحلف ليضربنك . 
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : معنى اللام في قوله : ( لما قالوا ) بمعنى إلى أو في ؛ لأن معنى الكلام : ثم يعودون لنقض ما قالوا من التحريم فيحللونه ، وإن قيل معناه : ثم يعودون إلى تحليل ما حرموا أو في تحليل ما حرموا فصواب ؛ لأن كل ذلك عود له ، فتأويل الكلام : ثم يعودون لتحليل ما حرموا على أنفسهم مما أحله الله لهم . 
وقوله : ( فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا   ) يقول : فعليه تحرير رقبة ، يعني عتق رقبة عبد أو أمة ، من قبل أن يماس الرجل المظاهر امرأته التي ظاهر منها أو تماسه . 
واختلف في المعني بالمسيس في هذا الموضع نظير اختلافهم في قوله : ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن   ) وقد ذكرنا ذلك هنالك . 
وسنذكر بعض ما لم نذكره هنالك : 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية  ، عن علي  ، عن  [ ص: 231 ] ابن عباس  في قوله : ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا   ) فهو الرجل يقول لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، فإذا قال ذلك ، فليس يحل له أن يقربها بنكاح ولا غيره حتى يكفر عن يمينه بعتق رقبة ،  ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا   ) والمس : النكاح . ( فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا   ) وإن هو قال لها : أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا  ، فليس يقع في ذلك ظهار حتى يحنث ، فإن حنث فلا يقربها حتى يكفر ، ولا يقع في الظهار طلاق . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا ابن أبي عدي  قال : ثنا أشعث  ، عن الحسن  أنه كان لا يرى بأسا أن يغشى المظاهر دون الفرج . 
حدثنا علي بن سهل  قال : ثنا زيد  قال : قال سفيان   : إنما المظاهرة عن الجماع . ولم ير بأسا أن يقضي حاجته دون الفرج أو فوق الفرج ، أو حيث يشاء ، أو يباشر . 
وقال آخرون : عني بذلك كل معاني المسيس ، وقالوا : الآية على العموم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا عبد الرحمن  قال : ثنا وهيب  ، عن يونس  قال : بلغني عن الحسن  أنه كره للمظاهر المسيس . 
وقوله : ( ذلكم توعظون به   ) يقول - تعالى ذكره - : أوجب ربكم ذلك عليكم عظة لكم تتعظون به ، فتنتهون عن الظهار وقول الزور . ( والله بما تعملون خبير ) يقول - تعالى ذكره - : والله بأعمالكم التي تعملونها - أيها الناس - ذو خبرة ، لا يخفى عليه شيء منها ، وهو مجازيكم عليها ، فانتهوا عن قول المنكر والزور . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					