القول في تأويل قوله تعالى : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان  ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم   ( 10 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : والذين جاءوا من بعد الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين  الأولين ( يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان   ) من الأنصار   . وعني بالذين جاءوا من بعدهم المهاجرون  أنهم يستغفرون لإخوانهم من الأنصار   . 
وقوله : ( ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا   ) يعني غمزا وضغنا . 
وقيل : عني بالذين جاءوا من بعدهم : الذين أسلموا من بعد الذين تبوءوا الدار . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى   [ ص: 288 ] وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  قوله : ( والذين جاءوا من بعدهم   ) قال : الذين أسلموا نعتوا أيضا . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة  قال : ثم ذكر الله الطائفة الثالثة ، فقال : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا   ) حتى بلغ ( إنك رءوف رحيم ) إنما أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يؤمروا بسبهم . 
وذكر لنا أن غلاما  لحاطب بن أبي بلتعة  جاء نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبي الله ليدخلن حاطب  في حي النار قال : " كذبت إنه شهد بدرا  والحديبية   " وذكر لنا أن  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه أغلظ لرجل من أهل بدر ،  فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - :  " وما يدريك يا عمر  لعله قد شهد مشهدا اطلع الله فيه إلى أهله ، فأشهد ملائكته أني قد رضيت عن عبادي هؤلاء ، فليعملوا ما شاءوا " فما زال بعضنا منقبضا من أهل بدر ،  هائبا لهم . وكان عمر   - رضي الله عنه - يقول : وإلى أهل بدر  تهالك المتهالكون ، وهذا الحي من الأنصار ،  أحسن الله عليهم الثناء . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قول الله : ( ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا   ) قال : لا تورث قلوبنا غلا لأحد من أهل دينك  . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا عبد الرحمن  قال : ثنا سفيان  ، عن  قيس بن مسلم  ، عن  ابن أبي ليلى  قال : كان الناس على ثلاث منازل : المهاجرون  الأولون : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم   ) وأحسن ما يكون أن يكون بهذه المنزلة . 
وقوله : ( للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم   ) يقول - جل ثناؤه - مخبرا عن قيل الذين جاءوا من بعد الذين تبوءوا الدار والإيمان أنهم قالوا : لا تجعل  [ ص: 289 ] في قلوبنا غلا لأحد من أهل الإيمان بك يا ربنا . 
قوله : ( إنك رءوف رحيم ) يقول : إنك ذو رأفة بخلقك ، وذو رحمة بمن تاب واستغفر من ذنوبه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					