القول في تأويل قوله تعالى : ( إنهم يرونه بعيدا    ( 6 ) ونراه قريبا   ( 7 ) يوم تكون السماء كالمهل   ( 8 ) وتكون الجبال كالعهن   ( 9 ) ولا يسأل حميم حميما   ( 10 ) يبصرونهم   ) 
يقول تعالى ذكره : إن هؤلاء المشركين يرون العذاب الذي سألوا عنه ، الواقع عليهم ، بعيدا وقوعه ، وإنما أخبر جل ثناؤه أنهم يرون ذلك بعيدا ، لأنهم كانوا لا يصدقون به ، وينكرون البعث بعد الممات ، والثواب والعقاب ، فقال : إنهم يرونه غير واقع ، ونحن نراه قريبا ، لأنه كائن ، وكل ما هو آت قريب .  [ ص: 604 ] 
والهاء والميم من قوله : ( إنهم ) من ذكر الكافرين ، والهاء من قوله : ( يرونه ) من ذكر العذاب . 
وقوله : ( يوم تكون السماء كالمهل   ) 
يقول تعالى ذكره : يوم تكون السماء كالشيء المذاب ، وقد بينت معنى المهل فيما مضى بشواهده ، واختلاف المختلفين فيه ، وذكرنا ما قال فيه السلف ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( يوم تكون السماء كالمهل   ) قال : كعكر الزيت  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( يوم تكون السماء كالمهل   ) : تتحول يومئذ لونا آخر إلى الحمرة  . 
وقوله : ( وتكون الجبال كالعهن   ) يقول : وتكون الجبال كالصوف . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   ( كالعهن ) قال : كالصوف  . 
حدثني ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  في قوله : ( كالعهن ) قال : كالصوف  . 
وقوله : ( ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم   ) يقول تعالى ذكره : ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه لشغله بشأن نفسه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله : ( ولا يسأل حميم حميما   ) يشغل كل إنسان بنفسه عن الناس  . 
وقوله : ( يبصرونهم   ) اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالهاء والميم في قوله : ( يبصرونهم   ) فقال بعضهم : عني بذلك الأقرباء أنهم يعرفون أقرباءهم ، ويعرف كل  [ ص: 605 ] إنسان قريبه ، فذلك تبصير الله إياهم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( يبصرونهم   ) قال : يعرف بعضهم بعضا ، ويتعارفون بينهم ، ثم يفر بعضهم من بعض ، يقول : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه   )  . 
حدثني بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( يبصرونهم   ) يعرفونهم ، يعلمون ، والله ليعرفن قوم قوما ، وأناس أناسا  . 
وقال آخرون : بل عني بذلك المؤمنون أنهم يبصرون الكفار . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( يبصرونهم   ) المؤمنون يبصرون الكافرين  . 
وقال آخرون : بل عني بذلك الكفار ، الذين كانوا أتباعا لآخرين في الدنيا على الكفر ، أنهم يعرفون المتبوعين في النار . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( يبصرونهم   ) قال : يبصرون الذين أضلوهم في الدنيا في النار  . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ، قول من قال : معنى ذلك : ولا يسأل حميم حميما عن شأنه ، ولكنهم يبصرونهم فيعرفونهم ، ثم يفر بعضهم من بعض ، كما قال جل ثناؤه : ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه   ) . 
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب ، لأن ذلك أشبهها بما دل عليه ظاهر التنزيل ، وذلك أن قوله : ( يبصرونهم   ) تلا قوله : ( ولا يسأل حميم حميما   ) ، فلأن تكون الهاء والميم من ذكرهم أشبه منها بأن تكون من ذكر غيرهم . 
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( ولا يسأل ) فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار سوى أبي جعفر القارئ  وشيبة  بفتح الياء; وقرأه أبو جعفر  وشيبة   ( ولا يسئل ) بضم الياء ، يعني : لا يقال لحميم أين حميمك ؟ ولا يطلب بعضهم من بعض .  [ ص: 606 ] 
والصواب من القراءة عندنا فتح الياء ، بمعنى : لا يسأل الناس بعضهم بعضا عن شأنه ، لصحة معنى ذلك ، ولإجماع الحجة من القراء عليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					