القول في تأويل قوله تعالى : ( لنخرج به حبا ونباتا    ( 15 ) وجنات ألفافا   ( 16 ) إن يوم الفصل كان ميقاتا   ( 17 ) يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا   ( 18 )  [ ص: 156 ] وفتحت السماء فكانت أبوابا   ( 19 ) وسيرت الجبال فكانت سرابا   ( 20 ) ) . 
يقول تعالى ذكره : لنخرج بالماء الذي ننزله من المعصرات إلى الأرض حبا ، والحب كل ما تضمنه كمام الزرع التي تحصد ، وهي جمع حبة ، كما الشعير جمع شعيرة ، وكما التمر جمع تمرة : وأما النبات فهو الكلأ الذي يرعى ، من الحشيش والزروع . 
وقوله : ( وجنات ألفافا   ) يقول : ولنخرج بذلك الغيث جنات ، وهي البساتين ، وقال : ( وجنات ) والمعنى : وثمر جنات ، فترك ذكر الثمر استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره . وقوله : ( ألفافا ) يعني : ملتفة مجتمعة . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : ( وجنات ألفافا   ) قال : مجتمعة  . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   ( وجنات ألفافا   ) يقول : وجنات التف بعضها ببعض  . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   ( وجنات ألفافا   ) قال : ملتفة  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( وجنات ألفافا   ) قال : التف بعضها إلى بعض  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  في قوله : ( وجنات ألفافا   ) قال : التف بعضها إلى بعض  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان   ( وجنات ألفافا   ) قال : ملتفة  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( وجنات ألفافا   ) قال : هي الملتفة ، بعضها فوق بعض  . 
واختلف أهل العربية في واحد الألفاف ، فكان بعض نحويي البصرة  يقول :  [ ص: 157 ] واحدها : لف . وقال بعض نحويي الكوفة   : واحدها : لف ولفيف ، قال : وإن شئت كان الإلفاف جمعا واحده جمع أيضا ، فتقول : جنة لفاء ، وجنات لف ، ثم يجمع اللف ألفافا . 
وقال آخر منهم : لم نسمع شجرة لفة ، ولكن واحدها لفاء ، وجمعها لف ، وجمع لف : ألفاف ، فهو جمع الجمع . 
والصواب من القول في ذلك أن الألفاف جمع لف أو لفيف ، وذلك أن أهل التأويل مجمعون على أن معناه : ملتفة ، واللفاء ، هي الغليظة ، وليس الالتفاف من الغلظ في شيء ، إلا أن يوجه إلى أنه غلظ الالتفاف ، فيكون ذلك حينئذ وجها . 
وقوله :  ( إن يوم الفصل كان ميقاتا   )  يقول تعالى ذكره : إن يوم يفصل الله فيه بين خلقه ، فيأخذ فيه من بعضهم لبعض ، كان ميقاتا لما أنفذ الله لهؤلاء المكذبين بالبعث ، ولضربائهم من الخلق . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( إن يوم الفصل كان ميقاتا   ) وهو يوم عظمه الله ، يفصل الله فيه بين الأولين والآخرين بأعمالهم  . 
وقوله : ( يوم ينفخ في الصور   ) ترجم بيوم ينفخ عن يوم الفصل ، فكأنه قيل : يوم الفصل كان أجلا لما وعدنا هؤلاء القوم ، يوم ينفخ في الصور ، وقد بينت معنى الصور فيما مضى قبل ، وذكرت اختلاف أهل التأويل فيه ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، وهو قرن ينفخ فيه عندنا . 
كما حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن سليمان التيمي ،  عن أسلم ،  عن بشر بن شغاف ،  عن عبد الله بن عمرو ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " الصور : قرن  " . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( يوم ينفخ في الصور   ) والصور : الخلق  . 
وقوله : ( فتأتون أفواجا   ) يقول : فيجيئون زمرا زمرا ، وجماعة جماعة . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك :  [ ص: 158 ] 
حدثنا محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن   . قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( أفواجا ) قال : زمرا زمرا  . 
وإنما قيل : ( فتأتون أفواجا   ) لأن كل أمة أرسل الله إليها رسولا تأتي مع الذي أرسل إليها كما قال : ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم   ) 
وقوله : ( وفتحت السماء فكانت أبوابا   ) يقول تعالى ذكره : وشققت السماء فصدعت ، فكانت طرقا ، وكانت من قبل شدادا لا فطور فيها ولا صدوع . وقيل : معنى ذلك : وفتحت السماء فكانت قطعا كقطع الخشب المشققة لأبواب الدور والمساكن ، قالوا : ومعنى الكلام : وفتحت السماء فكانت قطعا كالأبواب ، فلما أسقطت الكاف صارت الأبواب الخبر ، كما يقال في الكلام : كان عبد الله أسدا ، يعني : كالأسد . 
وقوله : ( وسيرت الجبال فكانت سرابا   ) يقول : ونسفت الجبال فاجتثت من أصولها ، فصيرت هباء منبثا ، لعين الناظر ، كالسراب الذي يظن من يراه من بعد ماء ، وهو في الحقيقة هباء . 
				
						
						
