القول في تأويل قوله تعالى : ( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره    ( 10 ) فسوف يدعو ثبورا   ( 11 ) ويصلى سعيرا   ( 12 ) إنه كان في أهله مسرورا   ( 13 ) إنه ظن أن لن يحور   ( 14 ) بلى إن ربه كان به بصيرا   ( 15 ) ) . 
يقول تعالى ذكره : وأما من أعطي كتابه منكم أيها الناس يومئذ وراء ظهره ، وذلك أن جعل يده اليمنى إلى عنقه وجعل الشمال من يديه وراء ظهره ، فيتناول كتابه بشماله من وراء ظهره ، ولذلك وصفهم جل ثناؤه أحيانا أنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم ، وأحيانا أنهم يؤتونها من وراء ظهورهم . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره   ) قال : يجعل يده من وراء ظهره  . 
وقوله : ( فسوف يدعو ثبورا   ) يقول : فسوف ينادي بالهلاك ، وهو أن يقول : واثبوراه ، واويلاه ، وهو من قولهم : دعا فلان لهفه : إذا قال : والهفاه .  [ ص: 316 ] 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
وقد ذكرنا معنى الثبور فيما مضى بشواهده ، وما فيه من الرواية . 
حدثت عن الحسين ،  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد ،  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( يدعو ثبورا   ) قال : يدعو بالهلاك . 
وقوله : ( ويصلى سعيرا   ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء مكة  والمدينة  والشام   : ( ويصلى ) بضم الياء وتشديد اللام ، بمعنى : أن الله يصليهم تصلية بعد تصلية ، وإنضاجة بعد إنضاجة ، كما قال تعالى : ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها   ) ، واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك ، بقوله : ( ثم الجحيم صلوه   ) وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قراء الكوفة  والبصرة   : ( ويصلى ) بفتح الياء وتخفيف اللام ، بمعنى : أنهم يصلونها ويردونها ، فيحترقون فيها ، واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك بقول الله : ( يصلونها ) و ( إلا من هو صال الجحيم   ) . 
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . 
وقوله : ( إنه كان في أهله مسرورا   ) يقول تعالى ذكره : إنه كان في أهله في الدنيا مسرورا لما فيه من خلافه أمر الله ، وركوبه معاصيه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( إنه كان في أهله مسرورا   ) أي : في الدنيا . 
وقوله : ( إنه ظن أن لن يحور بلى   ) يقول تعالى ذكره : إن هذا الذي أوتي كتابه وراء ظهره يوم القيامة  ، ظن في الدنيا أن لن يرجع إلينا ، ولن يبعث بعد مماته ، فلم يكن يبالي ما ركب من المآثم ; لأنه لم يكن يرجو ثوابا ، ولم يكن يخشى عقابا ،  [ ص: 317 ] يقال منه : حار فلان عن هذا الأمر : إذا رجع عنه ، ومنه الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه : " اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور  " يعني بذلك : من الرجوع إلى الكفر ، بعد الإيمان . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  قال : ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : ( إنه ظن أن لن يحور   ) يقول : يبعث . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( إنه ظن أن لن يحور بلى   ) قال : أن لا يرجع إلينا  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( إنه ظن أن لن يحور   ) : أن لا معاد له ولا رجعة . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة   ( أن لن يحور   ) قال : أن لن ينقلب : يقول : أن لن يبعث . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،   ( ظن أن لن يحور   ) قال : يرجع . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( أن لن يحور   ) قال : أن لن ينقلب . 
وقوله : ( بلى ) يقول تعالى ذكره : بلى ليحورن وليرجعن إلى ربه حيا كما كان قبل مماته . 
وقوله : ( إن ربه كان به بصيرا   ) يقول جل ثناؤه : إن رب هذا الذي ظن أن لن يحور ، كان به بصيرا ؛ إذ هو في الدنيا بما كان يعمل فيها من المعاصي ، وما إليه يصير أمره في الآخرة ، عالم بذلك كله . 
				
						
						
