[ ص: 331 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فما أصبرهم على النار    ( 175 ) ) 
قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم معنى ذلك : فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار . 
ذكر من قال ذلك : 
2500 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  عن قتادة   : " فما أصبرهم على النار   " ، يقول : فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار . 
2501 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر  عن قتادة  في قوله : " فما أصبرهم على النار   " ، يقول : فما أجرأهم عليها . 
2502 - حدثني المثنى  قال : حدثنا  عمرو بن عون  قال : حدثنا هشيم  ، عن بشر  عن الحسن  في قوله : " فما أصبرهم على النار   " قال : والله ما لهم عليها من صبر ، ولكن ما أجرأهم على النار . 
2503 - حدثنا أحمد بن إسحاق  قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري  قال : حدثنا مسعر  وحدثني المثنى  قال : حدثنا أبو بكير  قال : حدثنا مسعر  ، عن حماد  عن مجاهد  أو سعيد بن جبير  أو بعض أصحابه : " فما أصبرهم على النار   " ، ما أجرأهم . 
2504 - حدثت عن عمار بن الحسن  قال : حدثنا ابن أبي جعفر  ، عن أبيه عن الربيع  قوله : " فما أصبرهم على النار   " ، يقول : ما أجرأهم وأصبرهم على النار . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فما أعملهم بأعمال أهل النار .  [ ص: 332 ] 
ذكر من قال ذلك : 
2505 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد  في قوله : " فما أصبرهم على النار   " قال : ما أعملهم بالباطل . 
2506 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  مثله . 
واختلفوا في تأويل " ما " التي في قوله : " فما أصبرهم على النار   " . فقال بعضهم : هي بمعنى الاستفهام ، وكأنه قال : فما الذي صبرهم؟ أي شيء صبرهم؟ 
ذكر من قال ذلك : 
2507 - حدثني موسى بن هارون  قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط  عن  السدي   : " فما أصبرهم على النار   " ، هذا على وجه الاستفهام . يقول : ما الذي أصبرهم على النار؟ 
2508 - حدثني عباس بن محمد قال : حدثنا حجاج الأعور  قال : أخبرنا  ابن جريج  قال : قال لي عطاء   : " فما أصبرهم على النار   " قال : ما يصبرهم على النار ، حين تركوا الحق واتبعوا الباطل؟ 
2509 - حدثنا أبو كريب  قال : سئل أبو بكر بن عياش   : " فما أصبرهم على النار   " قال : هذا استفهام ، ولو كانت من الصبر قال : " فما أصبرهم " ، رفعا . قال : يقال للرجل : " ما أصبرك " ، ما الذي فعل بك هذا؟ 
2510 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : " فما أصبرهم على النار   " قال : هذا استفهام . يقول ما هذا الذي صبرهم على النار حتى جرأهم فعملوا بهذا؟  [ ص: 333 ] 
وقال آخرون : هو تعجب . يعني : فما أشد جراءتهم على النار بعملهم أعمال أهل النار! 
ذكر من قال ذلك : 
2511 - حدثنا سفيان بن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن ابن عيينة  ، عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد   : " فما أصبرهم على النار   " قال : ما أعملهم بأعمال أهل النار! 
وهو قول الحسن  وقتادة  ، وقد ذكرناه قبل . 
فمن قال : هو تعجب - وجه تأويل الكلام إلى : " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة   " ، فما أشد جراءتهم - بفعلهم ما فعلوا من ذلك - على ما يوجب لهم النار! كما قال تعالى ذكره : ( قتل الإنسان ما أكفره   ) [ سورة عبس : 17 ] ، تعجبا من كفره بالذي خلقه وسوى خلقه . 
فأما الذين وجهوا تأويله إلى الاستفهام ، فمعناه : هؤلاء الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة ، فما أصبرهم على النار - والنار لا صبر عليها لأحد - حتى استبدلوها بمغفرة الله فاعتاضوها منها بدلا؟
قال أبو جعفر   : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : ما أجرأهم على النار ، بمعنى : ما أجرأهم على عذاب النار وأعملهم بأعمال أهلها . وذلك أنه مسموع من العرب : " ما أصبر فلانا على الله " ، بمعنى : ما أجرأ فلانا على الله! وإنما يعجب الله من خلقه بإظهار الخبر عن القوم الذين يكتمون ما أنزل الله تبارك وتعالى من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، واشترائهم بكتمان ذلك ثمنا قليلا  [ ص: 334 ] من السحت والرشى التي أعطوها - على وجه التعجب من تقدمهم على ذلك . مع علمهم بأن ذلك موجب لهم سخط الله وأليم عقابه . 
وإنما معنى ذلك : فما أجرأهم على عذاب النار! ولكن اجتزئ بذكر " النار " من ذكر " عذابها " ، كما يقال : " ما أشبه سخاءك بحاتم " ، بمعنى : ما أشبه سخاءك بسخاء حاتم ، " وما أشبه شجاعتك بعنترة " . 
				
						
						
