القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب    ( 202 ) ) 
قال أبو جعفر   : يعني بقوله جل ثناؤه : "أولئك" الذين يقولون بعد قضاء مناسكهم : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ، رغبة منهم إلى الله جل ثناؤه فيما عنده ، وعلما منهم بأن الخير كله من عنده ، وأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء . فأعلم جل ثناؤه أن لهم نصيبا وحظا من حجهم ومناسكهم ، وثوابا جزيلا على عملهم الذي كسبوه ، وباشروا معاناته بأموالهم وأنفسهم ،  [ ص: 207 ] خاصا ذلك لهم دون الفريق الآخر ، الذين عانوا ما عانوا من نصب أعمالهم وتعبها ، وتكلفوا ما تكلفوا من أسفارهم ، بغير رغبة منهم فيما عند ربهم من الأجر والثواب ، ولكن رجاء خسيس من عرض الدنيا ، وابتغاء عاجل حطامها . كما : - 
3884 - حدثنا بشر ،  قال : حدثنا  يزيد بن زريع ،  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة  في قوله : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق   " ، قال : فهذا عبد نوى الدنيا ، لها عمل ولها نصب ، " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا   " ، أي حظ من أعمالهم  . 
3885 - وحدثني يونس ،  قال أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد  في : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق   " ، إنما حجوا للدنيا والمسألة ، لا يريدون الآخرة ولا يؤمنون بها ، " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار   " ، قال : فهؤلاء النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون" أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب" ، لهؤلاء الأجر بما عملوا في الدنيا  . 
وأما قوله : " والله سريع الحساب" ، فإنه يعني جل ثناؤه : أنه محيط بعمل الفريقين كليهما اللذين من مسألة أحدهما : " ربنا آتنا في الدنيا" ، ومن مسألة الآخر : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ، فمحص له بأسرع الحساب ، ثم إنه مجاز كلا الفريقين على عمله . 
وإنما وصف جل ثناؤه نفسه بسرعة الحساب ، لأنه جل ذكره يحصي ما يحصي من أعمال عباده بغير عقد أصابع ، ولا فكر ولا روية ، فعل العجزة الضعفة من الخلق ، ولكنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما ، ثم هو مجاز عباده على كل ذلك . فلذلك امتدح  [ ص: 208 ] نفسه جل ذكره بسرعة الحساب ، وأخبر خلقه أنه ليس لهم بمثل ، فيحتاج في حسابه إلى عقد كف أو وعي صدر . 
				
						
						
