القول في تأويل قوله : ( ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله    ) 
قال أبو جعفر   : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " ألم تر " ألم تر يا محمد  بقلبك فتعلم بخبري إياك يا محمد   " إلى الملأ " يعني : إلى وجوه بني إسرائيل  وأشرافهم ورؤسائهم " من بعد موسى   " يقول : من بعد ما قبض موسى  فمات " إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله " . فذكر لي أن النبي الذي قال لهم ذلك شمويل بن بالى بن علقمة بن يرحام بن إليهو بن تهو بن  [ ص: 292 ] صوف بن علقمة بن ماحث بن عموصا بن عزريا بن صفنية بن علقمة بن أبي ياسف بن قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم .  
5626 - حدثنا بذلك ابن حميد  قال : حدثنا سلمة  ، عن ابن إسحاق  ، عن  وهب بن منبه   . 
5627 - وحدثني أيضا المثنى بن إبراهيم  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم  قال : حدثني عبد الصمد بن معقل   : أنه سمع  وهب بن منبه  يقول : هو شمويل ،  هو شمويل   - ولم ينسبه كما نسبه ابن إسحاق   . 
وقال  السدي   : بل اسمه شمعون   . وقال : إنما سمي " شمعون " ؛ لأن أمه دعت الله أن يرزقها غلاما ، فاستجاب الله لها دعاءها ، فرزقها ، فولدت غلاما فسمته  [ ص: 293 ]  " شمعون   " تقول : الله تعالى سمع دعائي . 
5628 - حدثني [ بذلك ] موسى  قال : حدثنا عمرو  قال : حدثنا أسباط  ، عن  السدي   . 
فكأن " شمعون " " فعلون " عند  السدي  من قولها : إنه سمع الله دعاءها . 
5629 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن مجاهد  قوله : " ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم   " قال : شمؤل   . 
وقال آخرون : بل الذي سأله قومه من بني إسرائيل  أن يبعث لهم ملكا يقاتلون في سبيل الله ، يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم   . 
5630 - حدثني بذلك الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر  ، عن قتادة  في قوله : ( وقال لهم نبيهم   ) قال : كان نبيهم الذي بعد موسى  يوشع بن نون ،  قال : وهو أحد الرجلين اللذين أنعم الله عليهما  . 
وأما قوله : " ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله    " فاختلف أهل التأويل في  [ ص: 294 ] السبب الذي من أجله سأل الملأ من بني إسرائيل  نبيهم ذلك . 
فقال بعضهم : كان سبب مسألتهم إياه ما : - 
5631 - حدثنا به محمد بن حميد  قال : حدثنا  سلمة بن الفضل  قال : حدثني محمد بن إسحاق  ، عن  وهب بن منبه  قال : خلف بعد موسى  في بني إسرائيل  يوشع بن نون ،  يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله . ثم خلف فيهم كالب بن يوفنا  يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله تعالى . ثم خلف فيهم حزقيل بن بوزي ، وهو ابن العجوز   . ثم إن الله قبض حزقيل   ، وعظمت في بني إسرائيل  الأحداث ، ونسوا ما كان من عهد الله إليهم ، حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله . فبعث الله إليهم إلياس بن نسي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران  نبيا . وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل  بعد موسى  يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة . وكان إلياس  مع ملك من ملوك بني إسرائيل  يقال له أحاب ، وكان يسمع منه ويصدقه . فكان إلياس  يقيم له أمره . وكان سائر بني إسرائيل  قد اتخذوا صنما يعبدونه من دون الله ، فجعل إلياس  يدعوهم إلى الله ، وجعلوا لا يسمعون منه شيئا ، إلا ما كان من ذلك الملك . والملوك متفرقة بالشام  ، كل ملك  [ ص: 295 ] له ناحية منها يأكلها . فقال ذلك الملك الذي كان إلياس  معه يقوم له أمره ، ويراه على هدى من بين أصحابه يوما : يا إلياس  والله ما أرى ما تدعو إليه الناس إلا باطلا ! والله ما أرى فلانا وفلانا - وعدد ملوكا من ملوك بني إسرائيل   - قد عبدوا الأوثان من دون الله إلا على مثل ما نحن عليه ، يأكلون ويشربون ويتنعمون مملكين ، ما ينقص من دنياهم [ أمرهم الذي تزعم أنه باطل ] وما نرى لنا عليهم من فضل . ويزعمون - والله أعلم - أن إلياس  استرجع وقام شعر رأسه وجلده ، ثم رفضه وخرج عنه . ففعل ذلك الملك فعل أصحابه ، عبد الأوثان ، وصنع ما يصنعون . ثم خلف من بعده فيهم اليسع  ، فكان فيهم ما شاء الله أن يكون ، ثم قبضه الله إليه . وخلفت فيهم الخلوف ، وعظمت فيهم الخطايا ، وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر ، فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى  وآل هارون   . فكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويزحفون به معهم إلا هزم الله ذلك العدو . ثم خلف فيهم ملك يقال له إيلاء ، وكان الله قد بارك لهم في جبلهم  [ ص: 296 ] من إيليا ،  لا يدخله عليهم عدو ، ولا يحتاجون معه إلى غيره . وكان أحدهم - فيما يذكرون - يجمع التراب على الصخرة ، ثم ينبذ فيه الحب ، فيخرج الله له ما يأكل سنته هو وعياله . ويكون لأحدهم الزيتونة فيعتصر منها ما يأكل هو وعياله سنته . فلما عظمت أحداثهم ، وتركوا عهد الله إليهم ، نزل بهم عدو فخرجوا إليه ، وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه ، ثم زحفوا به ، فقوتلوا حتى استلب من بين أيديهم . فأتي ملكهم إيلاء فأخبر أن التابوت قد أخذ واستلب ، فمالت عنقه ، فمات كمدا عليه . فمرج أمرهم عليهم ، ووطئهم عدوهم ، حتى أصيب من أبنائهم ونسائهم . وفيهم نبي لهم قد كان الله بعثه إليهم ، فكانوا لا يقبلون منه شيئا ، يقال له " شمويل   " وهو الذي ذكر الله لنبيه محمد   : " ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل  من بعد موسى  إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله " إلى قوله : " وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا   " يقول الله : " فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم   " إلى قوله : " إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين   " . 
قال ابن إسحاق   : فكان من حديثهم فيما حدثني به بعض أهل العلم ، عن  وهب بن منبه   : أنه لما نزل بهم البلاء ووطئت بلادهم ، كلموا نبيهم شمويل بن بالي  فقالوا : " ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله   " . وإنما كان قوام بني إسرائيل  الاجتماع على الملوك ، وطاعة الملوك أنبياءهم . وكان الملك هو يسير بالجموع ، والنبي يقوم له أمره ويأتيه بالخبر من ربه . فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم ، فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم فسد أمرهم . فكانت الملوك إذا تابعتها الجماعة على الضلالة تركوا أمر  [ ص: 297 ] الرسل ، ففريقا يكذبون فلا يقبلون منه شيئا ، وفريقا يقتلون . فلم يزل ذلك البلاء بهم حتى قالوا له : " ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله   " . فقال لهم : إنه ليس عندكم وفاء ولا صدق ولا رغبة في الجهاد . فقالوا : إنما كنا نهاب الجهاد ونزهد فيه ، أنا كنا ممنوعين في بلادنا لا يطؤها أحد ، فلا يظهر علينا فيها عدو ، فأما إذ بلغ ذلك ، فإنه لا بد من الجهاد ، فنطيع ربنا في جهاد عدونا ، ونمنع أبناءنا ونساءنا وذرارينا . 
5632 - حدثت عن عمار بن الحسن  قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع  في قوله : " ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل   " إلى : " والله عليم بالظالمين " قال الربيع   : ذكر لنا - والله أعلم - أن موسى  لما حضرته الوفاة ، استخلف فتاه يوشع بن نون  على بني إسرائيل  ، وأن يوشع بن نون  سار فيهم بكتاب الله التوراة وسنة نبيه موسى   . ثم إن يوشع بن نون  توفي ، واستخلف فيهم آخر ، فسار فيهم بكتاب الله وسنة نبيه موسى   - صلى الله عليه وسلم - . ثم استخلف آخر فسار فيهم بسيرة صاحبيه . ثم استخلف آخر فعرفوا وأنكروا . ثم استخلف آخر ، فأنكروا عامة أمره . ثم استخلف آخر فأنكروا أمره كله . ثم إن بني إسرائيل  أتوا نبيا من أنبيائهم حين أوذوا في أنفسهم وأموالهم ، فقالوا له : سل ربك أن يكتب علينا القتال . فقال لهم ذلك النبي : " هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا   " إلى قوله : " والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم   " . 
5633 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  في قوله : " ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا   " قال : قال ابن عباس   : هذا حين رفعت التوراة واستخرج أهل الإيمان ، وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم  . 
 [ ص: 298 ]  5634 - حدثت عن الحسين بن الفرج  قال : سمعت أبا معاذ  قال : أخبرنا عبيد بن سليمان  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : " إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا   " قال : هذا حين رفعت التوراة واستخرج أهل الإيمان  . 
وقال آخرون : كان سبب مسألتهم نبيهم ذلك ما : - 
5635 - حدثني به موسى بن هارون  قال : حدثنا عمرو  قال : حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : " ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله   " قال : كانت بنو إسرائيل  يقاتلون العمالقة ، وكان ملك العمالقة جالوت ،  وأنهم ظهروا على بني إسرائيل  فضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم . وكانت بنو إسرائيل  يسألون الله أن يبعث لهم نبيا يقاتلون معه . وكان سبط النبوة قد هلكوا ، فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى ، فأخذوها فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام ؛ لما ترى من رغبة بني إسرائيل  في ولدها . فجعلت المرأة تدعو الله أن يرزقها غلاما ، فولدت غلاما فسمته شمعون   . فكبر الغلام ، فأرسلته يتعلم التوراة في بيت المقدس  ، وكفله شيخ من علمائهم وتبناه . فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبيا ، أتاه جبريل  والغلام نائم إلى جنب الشيخ وكان لا يتمن عليه أحدا غيره فدعاه بلحن الشيخ : " يا شماول   " فقام  [ ص: 299 ] الغلام فزعا إلى الشيخ ، فقال : يا أبتاه ، دعوتني ؟ فكره الشيخ أن يقول : " لا " فيفزع الغلام ، فقال : يا بني ارجع فنم . فرجع فنام . ثم دعاه الثانية ، فأتاه الغلام - أيضا - فقال : دعوتني ؟ فقال : ارجع فنم ، فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني . فلما كانت الثالثة ، ظهر له جبريل  فقال : اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك ، فإن الله قد بعثك فيهم نبيا . فلما أتاهم كذبوه وقالوا : استعجلت بالنبوة ولم تئن لك . وقالوا : إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ، آية من نبوتك . فقال لهم شمعون   : عسى إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا  . 
قال أبو جعفر   : وغير جائز في قول الله - تعالى ذكره - : " نقاتل في سبيل الله   " إذا قرئ " بالنون " غير الجزم على معنى المجازاة وشرط الأمر . فإن ظن ظان أن الرفع فيه جائز وقد قرئ بالنون بمعنى : الذي نقاتل به في سبيل الله ، فإن ذلك غير جائز ؛ لأن العرب لا تضمر حرفين . ولكن لو كان قرئ ذلك " بالياء " لجاز رفعه ؛ لأنه يكون لو قرئ كذلك صلة ل " الملك " فيصير تأويل الكلام حينئذ : ابعث لنا الذي يقاتل في سبيل الله كما قال - تعالى ذكره - : ( وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك   ) [ سورة البقرة : 129 ] ، لأن قوله " يتلو " من صلة الرسول . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					