[ ص: 428 ]   ( وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين     ( 97 ) وأعوذ بك رب أن يحضرون    ( 98 ) حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون    ( 99 ) لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون    ( 100 ) فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون    ( 101 ) ) 
( وقل رب أعوذ بك    ) أي : أمتنع وأعتصم بك ، ( من همزات الشياطين    ) قال ابن عباس    : نزعاتهم . وقال الحسن    : وساوسهم . وقال مجاهد    : نفخهم ونفثهم . وقال أهل المعاني : دفعهم بالإغواء إلى المعاصي ، وأصل الهمز شدة الدفع . ( وأعوذ بك رب أن يحضرون    ) في شيء من أموري ، وإنما ذكر الحضور لأن الشيطان إذا حضره يوسوسه . ثم أخبر أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت ، فقال : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون    ) ولم يقل ارجعني ، وهو يسأل الله وحده الرجعة ، على عادة العرب  فإنهم يخاطبون الواحد بلفظ الجمع على وجه التعظيم ، كما أخبر الله تعالى عن نفسه فقال : " ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون    ) ( الحجر - 9 ) ، ومثله كثير في القرآن . وقيل : هذا الخطاب مع الملائكة الذين يقبضون روحه ابتداء بخطاب الله لأنهم استغاثوا بالله أولا ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة الرجوع إلى الدنيا . قوله تعالى : ( لعلي أعمل صالحا فيما تركت    ) أي : ضيعت ، أن أقول لا إله إلا الله . وقيل : أعمل بطاعة الله . قال قتادة    : ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله ، فرحم الله امرءا عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب ، ( كلا ) كلمة ردع وزجر ، أي : لا يرجع إليها ، ( إنها ) يعني : سؤاله الرجعة ، ( كلمة هو قائلها    ) [ ولا ينالها ] ( ومن ورائهم برزخ    ) أي : أمامهم وبين أيديهم حاجز ، ( إلى يوم يبعثون    ) والبرزخ الحاجز بين الشيئين ، واختلفوا في معناه هاهنا ، فقال مجاهد    : حجاب بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا . وقال قتادة    : بقية الدنيا . وقال الضحاك    : البرزخ ما بين الموت إلى البعث . وقيل : هو القبر ، وهم فيه إلى يوم يبعثون . ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم    ) اختلفوا في هذه النفخة ، فروى سعيد بن جبير   [ ص: 429 ] عن ابن عباس    : أنها النفخة الأولى " ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض " ( الزمر - 68 ) ، ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون    ) " ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " ( الزمر - 68 ) ، " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " ( الصافات - 27 ) . 
وعن ابن مسعود    : أنها النفخة الثانية ، قال : يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينصب على رءوس الأولين والآخرين ثم ينادي مناد : هذا فلان ابن فلان ، فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه ، فيفرح المرء أن [ يكون له ] الحق على والده وولده أو زوجته أو أخيه فيأخذ منه ، ثم قرأ ابن مسعود  فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون    . 
وفي رواية عطاء  عن ابن عباس    : أنها الثانية فلا أنساب بينهم أي : لا يتفاخرون بالأنساب يومئذ كما كانوا يتفاخرون في الدنيا ، ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا : من أنت ومن أي قبيلة أنت؟ ولم يرد أن الأنساب تنقطع . 
فإن قيل : أليس قد جاء في الحديث :   " كل سبب ونسب ينقطع إلا نسبي وسببي "   . 
قيل : معناه لا يبقى يوم القيامة سبب ولا نسب إلا نسبه وسببه ، وهو الإيمان والقرآن . 
فإن قيل : قد قال هاهنا ( ولا يتساءلون    ) وقال في موضع آخر : " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " ( الصافات - 27 ) . 
الجواب : ما روي عن ابن عباس  رضي الله عنهما : أن للقيامة أحوالا ومواطن  ، ففي موطن يشتد عليهم الخوف ، فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون ، وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون   . 
				
						
						
