( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا     ( 5 ) عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا    ( 6 ) يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا    ( 7 ) ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا    ( 8 ) ) 
( إن الأبرار    ) يعني المؤمنين الصادقين في إيمانهم المطيعين لربهم [ واحدهم ] بار مثل : شاهد وأشهاد ، وناصر وأنصار ، و " بر " أيضا مثل : نهر وأنهار ( يشربون    ) في الآخرة ، ( من كأس    ) [ فيها ] شراب ( كان مزاجها كافورا    ) قال قتادة    : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك . قال عكرمة    : " مزاجها " طعمها . وقال أهل المعاني : أراد كالكافور في بياضه وطيب ريحه وبرده ؛ لأن الكافور لا يشرب ، وهو كقوله : " حتى إذا جعله نارا    " ( الكهف - 96 ) أي كنار . وهذا معنى قول [ قتادة    ] ومجاهد    : يمازجه ريح الكافور . وقال ابن كيسان    : طيبت بالكافور والمسك والزنجبيل . وقال عطاء  والكلبي    : الكافور اسم لعين ماء في الجنة . ( عينا ) نصب تبعا للكافور . وقيل : [ هو ] نصب على المدح . وقيل : أعني عينا . وقال الزجاج    : الأجود أن يكون المعنى من عين ( يشرب بها ) [ قيل : يشربها ] والباء صلة ، وقيل بها أي منها ( عباد الله ) قال ابن عباس  أولياء الله ( يفجرونها تفجيرا    ) أي يقودونها حيث شاءوا من منازلهم وقصورهم ، كمن يكون له نهر يفجره هاهنا وهاهنا إلى حيث يريد . ( يوفون بالنذر    ) هذا من صفاتهم في الدنيا أي كانوا في الدنيا كذلك . 
قال قتادة    : أراد يوفون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة ،   [ ص: 294 ] وغيرها من الواجبات ، ومعنى النذر    : الإيجاب . 
وقال مجاهد  وعكرمة    : إذا نذروا في طاعة الله وفوا به . 
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ،  أخبرنا زاهر بن أحمد ،  أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ،  أخبرنا أبو مصعب ،  عن مالك ،  عن طلحة بن عبد الملك الأيلي ،  عن  القاسم بن محمد ،  عن عائشة  زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من نذر أن يطيع الله  فليطعه ، ومن نذر أن يعصي  الله فلا يعصه   " ( ويخافون يوما كان شره مستطيرا    ) فاشيا ممتدا ، يقال : استطار الصبح ، إذا امتد وانتشر . 
قال مقاتل    : كان شره فاشيا في السماوات فانشقت ، وتناثرت الكواكب ، وكورت الشمس والقمر ، وفزعت الملائكة . وفي الأرض : فنسفت الجبال ، وغارت المياه ، وتكسر كل شيء على الأرض من جبل وبناء . ( ويطعمون الطعام على حبه    ) أي على حب الطعام وقلته وشهوتهم له وحاجتهم إليه . وقيل : على حب الله - عز وجل - ( مسكينا ) فقيرا لا مال له ( ويتيما ) صغيرا لا أب له ( وأسيرا ) قال مجاهد   وسعيد بن جبير   وعطاء    : هو المسجون من أهل القبلة . وقال قتادة    : أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم ، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك . وقيل : الأسير المملوك . وقيل : المرأة ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان   " أي أسراء . 
واختلفوا في سبب نزول هذه الآية . قال مقاتل    : نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكينا ويتيما وأسيرا .   [ ص: 295 ] 
وروى مجاهد   وعطاء  عن ابن عباس    : أنها نزلت في  علي بن أبي طالب    - رضي الله عنه - وذلك أنه عمل ليهودي بشيء من شعير ، [ فقبض الشعير ] فطحن ثلثه فجعلوا منه شيئا ليأكلوه ، فلما تم إنضاجه أتى مسكين فسأل فأخرجوا إليه الطعام ، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين ، فسأل فأطعموه ، وطووا يومهم ذلك : وهذا قول الحسن  وقتادة    : أن الأسير كان من أهل الشرك ، وفيه دليل على أن إطعام الأسارى - وإن كانوا من أهل الشرك - حسن يرجى ثوابه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					