[ ص: 63 ]   ( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون    ( 83 ) ) 
( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون    ( 84 ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين    ( 85 ) كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين    ( 86 ) أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين    ( 87 ) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون    ( 88 ) إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم    ( 89 ) إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون    ( 90 ) ) 
قوله عز وجل : ( أفغير دين الله يبغون     ) وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فادعى كل واحد أنه على دين إبراهيم  عليه السلام واختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم  عليه السلام " فغضبوا وقالوا : لا نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك ، فأنزل الله تعالى : ( أفغير دين الله يبغون    ) قرأ أبو جعفر  وأهل البصرة  وحفص  عن عاصم    ( يبغون ) بالياء لقوله تعالى ( وأولئك هم الفاسقون    ) وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى ( لما آتيتكم    ) ، ( وله أسلم    ) خضع وانقاد ، ( من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) فالطوع : الانقياد والاتباع بسهولة ، والكره : ما كان بمشقة وإباء من النفس . 
واختلفوا في قوله ( طوعا وكرها ) قال الحسن    : أسلم أهل السماوات طوعا وأسلم من في الأرض بعضهم طوعا وبعضهم كرها ، خوفا من السيف والسبي ، وقال مجاهد    : طوعا المؤمن ، وكرها ذلك الكافر ، بدليل : " ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال    " ( الرعد - 15 ) وقيل : هذا يوم الميثاق حين قال لهم : " ألست بربكم قالوا بلى    " ( الأعراف - 172 ) فقال : بعضهم طوعا وبعضهم كرها ، وقال قتادة    : المؤمن أسلم طوعا فنفعه ، والكافر أسلم كرها في وقت البأس فلم ينفعه ، قال الله تعالى : " فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا    "   ( غافر - 85 ) وقال الشعبي    : هو استعاذتهم به عند اضطرارهم كما قال الله تعالى : " فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين    " ( العنكبوت - 65 ) . 
وقال الكلبي    : طوعا الذي ( ولد ) في الإسلام ، وكرها الذين أجبروا على الإسلام ممن يسبى منهم فيجاء بهم في السلاسل ، ( وإليه يرجعون    ) قرأ بالياء حفص  عن عاصم  ويعقوب  كما قرأ ( يبغون ) بالياء وقرأ الباقون بالتاء فيهما إلا أبا عمرو  فإنه قرأ ( يبغون ) بالياء و ( ترجعون ) بالتاء ، وقال : لأن الأول خاص والثاني عام ، لأن مرجع جميع الخلق إلى الله عز وجل . 
قوله تعالى : ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون    )   [ ص: 64 ] ذكر الملل والأديان واضطراب الناس فيها ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : ( آمنا بالله ) الآية . 
قوله : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه     ) نزلت في اثني عشر رجلا ارتدوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة  وأتوا مكة  كفارا ، منهم الحارث بن سويد الأنصاري ،  فنزلت فيهم ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين    ) 
( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم    ) لفظه استفهام ومعناه جحد ، أي : لا يهدي الله ، وقيل معناه : كيف يهديهم الله في الآخرة إلى الجنة والثواب ( وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين    ) 
( خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون    ) وذلك : أن الحارث بن سويد  لما لحق بالكفار ندم ، فأرسل إلى قومه : أن سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل لي من توبة؟ ففعلوا ذلك فأنزل الله تعالى : ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) 
( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) لما كان منه ، فحملها إليه رجل من قومه وقرأها عليه فقال الحارث    : إنك - والله - ما علمت لصدوق وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك وإن الله عز وجل لأصدق الثلاثة ، فرجع الحارث  إلى المدينة  وأسلم وحسن إسلامه . 
قوله عز وجل : ( إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا    ) قال قتادة  والحسن    : نزلت في   [ ص: 65 ] اليهود  كفروا بعيسى  عليه السلام والإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم ، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد   صلى الله عليه وسلم والقرآن . 
وقال أبو العالية    : نزلت في اليهود  والنصارى  كفروا بمحمد  صلى الله عليه وسلم لما رأوه بعد إيمانهم بنعته وصفته في كتبهم ثم ازدادوا كفرا يعني : ذنوبا في حال كفرهم . 
قال مجاهد    : نزلت في جميع الكفار أشركوا بعد إقرارهم بأن الله خالقهم ، ثم ازدادوا كفرا أي : أقاموا على كفرهم حتى هلكوا عليه . 
قال الحسن    : ازدادوا كفرا كلما نزلت آية كفروا بها ، فازدادوا كفرا وقيل : ازدادوا كفرا بقولهم : نتربص بمحمد  ريب المنون . 
قال الكلبي    : نزلت في الأحد عشر من أصحاب الحارث بن سويد ،  لما رجع الحارث  إلى الإسلام أقاموا هم على الكفر بمكة  وقالوا : نقيم على الكفر ما بدا لنا فمتى أردنا الرجعة ينزل فينا ما نزل في الحارث ،  فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة  فمن دخل منهم في الإسلام قبلت توبته ونزل فيمن مات منهم كافرا 
( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار    ) الآية . 
فإن قيل : قد وعد الله قبول توبة من تاب  ، فما معنى قوله : ( لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون    ) قيل : لن تقبل توبتهم إذا ( رجعوا في حال المعاينة ) كما قال : " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن    " سورة النساء الآية ( 18 ) . 
وقيل : هذا في أصحاب الحارث بن سويد  حيث أمسكوا عن الإسلام ، وقالوا : نتربص بمحمد  فإن ساعده الزمان نرجع إلى دينه ، لن يقبل منهم ذلك لأنهم متربصون غير محققين ، وأولئك هم الضالون . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					