عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله 
ابن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل عبد الرحمن سلطان الأندلس ، المدعو : أمير المؤمنين الناصر لدين الله ، أبو المطرف الأموي المرواني . كان أبوه محمد  ولي عهد والده عبد الله بن محمد  ، فقتله أخوه أبو القاسم المطرف  ، فقتله أبوهما به . ففي سنة سبع وسبعين ومائتين قتل محمد  ، وله سبع وعشرون سنة ، وتأخر قتل المطرف  إلى رمضان سنة اثنتين ومائتين . ولما قتل محمد  ، كان لعبد الرحمن  هذا عشرون يوما . وولي الخلافة بعد جده .  [ ص: 266 ] 
قال  ابن حزم   : كانت خلافته من المستطرف  ، لأنه كان شابا وبالحضرة جماعة من أعمامه ، وأعمام أبيه ، فلم يعترض معترض عليه واستمر له الأمر ، وكان شهما صارما . وكل من تقدم من آبائه لم يتسم أحد منهم بإمرة المؤمنين ، وإنما كانوا يخاطبون بالإمارة فقط ، وفعل مثلهم عبد الرحمن  إلى السنة السابعة والعشرين من ولايته ، فلما بلغه ضعف الخلافة بالعراق  ، وظهور الشيعة العبيدية  بالقيروان  ، رأى أنه أحق بإمرة المؤمنين ، ولم يزل منذ ولي الأندلس  يستنزل المتغلبين حتى صارت المملكة كلها في طاعته ، وأكثر بلاد العدوة ، وأخاف ملوك الطوائف حوله .
وابتدأ ببناء مدينة الزهراء  في أول سنة خمس وعشرين وثلاث مائة ، فكان يقسم دخل مملكته أثلاثا : فثلث يرصده للجند ، وثلث يدخره في بيت المال ، وثلث ينفقه في الزهراء   . 
وكان دخل الأندلس  يومئذ خمسة آلاف ألف دينار ، وأربع مائة ألف وثمانين ألفا ، ومن السوق والمستخلص سبع مائة ألف دينار وخمسة وستون ألفا . 
ذكر ابن أبي الفياض  في " تاريخه " قال : أخبرت أنه وجد في تاريخ الناصر  أيام السرور التي صفت له ، فعدت فكانت أربعة عشر يوما ، وقد ملك خمسين سنة ونصفا . 
قال اليسع بن حزم   : نظر أهل الحل والعقد ، من يقوم بأمر الإسلام ،  [ ص: 267 ] فما وجدوا في شباب بني أمية  من يصلح للأمر إلا عبد الرحمن بن محمد  ، فبايعوه وطلب منهم المال فلم يجده ، وطلب العدد فلم يجدها ، فلم يزل السعد يخدمه إلى أن سار بنفسه لابن حفصون  ، فوجده مجتازا لوادي التفاح  ، ومعه أكثر من عشرين ألف فارس - كذا نقل اليسع  ، وما أحسب أن ابن حفصون  بقي إلى هذا التاريخ - قال : فهزمه ، وأفلت ابن حفصون  في نفر يسير ، فتحصن بحصن مبشر   . 
ولم يزل عبد الرحمن  يغزو حتى أقام العوج ، ومهد البلاد ، ووضع العدل ، وكثر الأمن ، ثم بعث جيشا إلى المغرب  ، فغزا برغواطة  بناحية سلا ، ولم تزل كلمته نافذة ، وسجلماسة  وجميع بلاد القبلة ، وقتل ابن حفصون   . وصارت الأندلس  أقوى ما كانت وأحسنها حالا ، وصفا وجهه للروم  ، وشن الغارات على العدو ، وغزا بنفسه بلاد الروم   اثنتي عشرة غزوة ، ودوخهم ، ووضع عليهم الخراج ، ودانت له ملوكها ، فكان فيما شرط عليهم اثنا عشر ألف رجل يصنعون في بناء الزهراء  التي أقامها لسكناه على فرسخ من قرطبة   . 
وساق إليها أنهارا ، ونقب لها الجبل ، وأنشأها مدورة ، وعدة أبراجها ثلاث مائة برح ، وشرفاتها من حجر واحد ، وقسمها أثلاثا : فالثلث المسند إلى الجبل قصوره ، والثلث الثاني دور المماليك والخدم ، وكانوا اثني عشر ألفا بمناطق الذهب ، يركبون لركوبه ، والثلث الثالث بساتين تحت القصور . وعمل مجلسا مشرفا على البساتين ، صفح عمده بالذهب ، ورصعه بالياقوت والزمرد واللؤلؤ ، وفرشه بمنقوش الرخام ، وصنع قدامه بحرة مستديرة  [ ص: 268 ] ملأها زئبقا ، فكان النور ينعكس منه إلى المجلس ، فدخل عليه قاضيه ، منذر بن سعيد البلوطي  فوقف وقرأ : ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة  الآيتين . فقال : وعظت أبا الحكم  ، ثم قام عن المجلس ، وأمر بنزع الذهب والجواهر . 
وقال عبد الواحد المراكشي  في " تاريخه " : اتسعت مملكة الناصر  ، وحكم على أقطار الأندلس  ، وملك طنجة  وسبتة  ، وغيرهما من بلاد العدوة ، وكانت أيامه كلها حروبا . وعاش المسلمون في آثاره الحميدة آمنين برهة . 
ويقال : إن بناء الزهراء  أكمل في اثنتي عشرة سنة ، بألف بناء في اليوم ، مع البناء اثنا عشر فاعلا . 
حكى أبو الحسن الصفار   : أن يوسف بن تاشفين  ملك المغرب  لما دخل الزهراء  ، وقد خربت بالنيران والهدم ، من تسعين سنة قبل دخوله إليها ، وقد نقل أكثر ما فيها إلى قرطبة  وإشبيلية  ، ونظر آثارا تشهد على محاسنها ، فقال : الذي بنى هذه كان سفيها ، فقال له أبو مروان بن سراج   : كيف يكون سفيها وإحدى كرائمه أخرجت مالا في فداء أسارى في أيامه ، فلم يوجد ببلاد الأندلس  أسير يفدى .  [ ص: 269 ] توفي الناصر  في رمضان سنة خمسين وثلاث مائة وستعاد ترجمته مختصرة بزيادات مهمة ، وأنه افتتح سبعين حصنا . رحمه الله . 
				
						
						
