قال علي بن محمد بن أبان القاضي : حدثنا أبو يحيى زكريا الساجي ، حدثنا المزني ، قال : قلت : إن كان أحد يخرج ما في ضميري ، وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي ، فصرت إليه ، وهو في مسجد مصر ، فلما جثوت بين يديه ، قلت : هجس في ضميري مسألة في التوحيد ، فعلمت أن أحدا لا يعلم علمك ، فما الذي عندك ؟ فغضب ، ثم قال : أتدري أين أنت ؟ قلت : نعم ، قال : هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون . أبلغك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالسؤال عن ذلك ؟ قلت : لا ، قال : هل تكلم فيه الصحابة ؟ قلت : لا ، قال : تدري كم نجما في السماء ؟ قلت : لا ، قال : فكوكب منها ; تعرف جنسه ، طلوعه ، أفوله ، مم خلق ؟ قلت : لا ، قال : فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه ، تتكلم في علم خالقه ؟ ! ثم سألني عن مسألة في [ ص: 32 ] الوضوء ، فأخطأت فيها ، ففرعها على أربعة أوجه ، فلم أصب في شيء منه ، فقال : شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات ، تدع علمه ، وتتكلف علم الخالق ، إذا هجس في ضميرك ذلك ، فارجع إلى الله ، وإلى قوله تعالى : وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السماوات والأرض الآية فاستدل بالمخلوق على الخالق ، ولا تتكلف علم ما لم يبلغه عقلك . قال : فتبت .
قال ابن أبي حاتم : في كتابي عن الربيع بن سليمان ، قال : حضرت الشافعي ، أو حدثني أبو شعيب ، إلا أني أعلم أنه حضر عبد الله بن عبد الحكم ، ويوسف بن عمرو ، وحفص الفرد ، وكان الشافعي يسميه حفصا المنفرد ، فسأل حفص عبد الله : ما تقول في القرآن ؟ فأبى أن يجيبه ، فسأل يوسف ، فلم يجبه ، وأشار إلى الشافعي ، فسأل الشافعي ، واحتج عليه ، فطالت فيه المناظرة ، فقام الشافعي بالحجة عليه بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وبكفر حفص .
قال الربيع : فلقيت حفصا ، فقال : أراد الشافعي قتلي .
الربيع : سمعت الشافعي يقول : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص . [ ص: 33 ]
وسمعته يقول : تجاوز الله عما في القلوب ، وكتب على الناس الأفعال والأقاويل .
وقال المزني : قال الشافعي : يقال لمن ترك الصلاة لا يعملها : فإن صليت وإلا استتبناك ، فإن تبت ، وإلا قتلناك ، كما تكفر ، فنقول : إن آمنت وإلا قتلناك .
وعن الشافعي قال : ما كابرني أحد على الحق ودافع ، إلا سقط من عيني ، ولا قبله إلا هبته ، واعتقدت مودته .
عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : قال الشافعي : أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا ، فإذا كان خبر صحيح ، فأعلمني حتى أذهب إليه ، كوفيا كان ، أو بصريا ، أو شاميا .
وقال حرملة : قال الشافعي : كل ما قلته فكان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلاف قولي مما صح ، فهو أولى ، ولا تقلدوني . [ ص: 34 ]
الربيع : سمعت الشافعي يقول : إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا بها ، ودعوا ما قلته .
وسمعته يقول -وقد قال له رجل : تأخذ بهذا الحديث يا أبا عبد الله ؟ فقال : متى رويت عن رسول الله حديثا صحيحا ولم آخذ به ، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب .
وقال الحميدي : روى الشافعي يوما حديثا ، فقلت : أتأخذ به ؟ فقال : رأيتني خرجت من كنيسة ، أو علي زنار ، حتى إذا سمعت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا لا أقول به ؟ ! [ ص: 35 ]
قال الربيع : وسمعته يقول : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا فلم أقل به .
وقال أبو ثور : سمعته يقول : كل حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو قولي ، وإن لم تسمعوه مني .
ويروى أنه قال : إذا صح الحديث فهو مذهبي وإذا صح الحديث ، فاضربوا بقولي الحائط .
محمد بن بشر العكري وغيره : حدثنا الربيع بن سليمان قال : كان الشافعي قد جزء الليل ، فثلثه الأول يكتب ، والثاني يصلي ، والثالث ينام .
قلت : أفعاله الثلاثة عبادة بالنية .
قال زكريا الساجي : حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني حسين الكرابيسي : بت مع الشافعي ليلة ، فكان يصلي نحو ثلث الليل ، فما رأيته يزيد على خمسين آية ، فإذا أكثر ، فمائة آية ، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله ، ولا بآية عذاب إلا تعوذ ، وكأنما جمع له الرجاء والرهبة جميعا . [ ص: 36 ]
قال الربيع بن سليمان من طريقين عنه ، بل أكثر : كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة .
ورواها ابن أبي حاتم عنه ، فزاد : كل ذلك في صلاة .
أبو عوانة الإسفراييني : حدثنا الربيع ، سمعت الشافعي يقول : ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا مرة ، فأدخلت يدي فتقيأتها .
رواها ابن أبي حاتم ، عن الربيع ، وزاد : لأن الشبع يثقل البدن ، ويقسي القلب ، ويزيل الفطنة ، ويجلب النوم ، ويضعف عن العبادة .
الزبير بن عبد الواحد : أخبرنا أبو بكر محمد بن القاسم بن مطر ، سمعت الربيع : قال لي الشافعي : عليك بالزهد ، فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد .
قال الزبير : وحدثني إبراهيم بن الحسن الصوفي ، سمعت حرملة ، سمعت الشافعي يقول : ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا .
قال أبو داود : حدثني أبو ثور قال : قل ما كان يمسك الشافعي الشيء من سماحته . [ ص: 37 ]
وقال عمرو بن سواد : كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام ، فقال لي الشافعي : أفلست من دهري ثلاث إفلاسات ، فكنت أبيع قليلي وكثيري حتى حلي بنتي وزوجتي ، ولم أرهن قط .
قال الربيع : أخذ رجل بركاب الشافعي ، فقال لي : أعطه أربعة دنانير ، واعذرني عنده .
سعيد بن أحمد اللخمي المصري : سمعت المزني يقول : كنت مع الشافعي يوما ، فخرجنا الأكوام فمر بهدف ، فإذا برجل يرمي بقوس عربية ، فوقف عليه الشافعي ينظر ، وكان حسن الرمي ، فأصاب بأسهم ، فقال الشافعي : أحسنت ، وبرك عليه ، ثم قال : أعطه ثلاثة دنانير ، واعذرني عنده .
وقال الربيع : كان الشافعي مارا بالحذائين ، فسقط سوطه ، فوثب غلام ، ومسحه بكمه ، وناوله ، فأعطاه سبعة دنانير .
قال الربيع : تزوجت ، فسألني الشافعي : كم أصدقتها ؟ قلت : ثلاثين دينارا ، عجلت منها ستة . فأعطاني أربعة وعشرين دينارا . [ ص: 38 ]
أبو جعفر الترمذي : سمعت الربيع قال : كان بالشافعي هذه البواسير ، وكانت له لبدة محشوة بحلبة يجلس عليها ، فإذا ركب ، أخذت تلك اللبدة ، ومشيت خلفه ، فناوله إنسان رقعة يقول فيها : إنني بقال ، رأس مالي درهم ، وقد تزوجت ، فأعني ، فقال : يا ربيع ، أعطه ثلاثين دينارا واعذرني عنده . فقلت : أصلحك الله ، إن هذا يكفيه عشرة دراهم ، فقال : ويحك ! وما يصنع بثلاثين ؟ أفي كذا ، أم في كذا -يعد ما يصنع في جهازه- أعطه .
ابن أبي حاتم : أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن روح ، حدثنا الزبير بن سليمان القرشي ، عن الشافعي ، قال : خرج هرثمة ، فأقرأني سلام أمير المؤمنين هارون ، وقال : قد أمر لك بخمسة آلاف دينار . قال : فحمل إليه المال ، فدعا بحجام ، فأخذ شعره ، فأعطاه خمسين دينارا ، ثم أخذ رقاعا ، فصر صررا ، وفرقها في القرشيين الذين هم بالحضرة ومن بمكة ، حتى ما رجع إلى بيته إلا بأقل من مائة دينار .
محمد بن بشر العكري : سمعت الربيع قال : أخبرني الحميدي قال : قدم الشافعي صنعاء ، فضربت له خيمة ، ومعه عشرة آلاف دينار ، فجاء قوم ، فسألوه ، فما قلعت الخيمة ومعه منها شيء . رواها الأصم وجماعة عن الربيع . [ ص: 39 ]
وعن إبراهيم بن برانة قال : كان الشافعي جسيما طوالا نبيلا .
قال ابن عبد الحكم : كان الشافعي أسخى الناس بما يجد ، وكان يمر بنا ، فإن وجدني ، وإلا قال : قولوا لمحمد إذا جاء يأتي المنزل ، فإني لا أتغدى حتى يجيء .
داود بن علي الأصبهاني : حدثنا أبو ثور قال : كان الشافعي من أسمح الناس ، يشتري الجارية الصناع التي تطبخ وتعمل الحلواء ، ويشترط عليها هو أن لا يقربها ؛ لأنه كان عليلا لا يمكنه أن يقرب النساء لباسور به إذ ذاك ، وكان يقول لنا : اشتهوا ما أردتم .
قال أبو علي بن حمكان : حدثني أبو إسحاق المزكي ، حدثنا ابن خزيمة ، حدثنا الربيع ، قال : أصحاب مالك كانوا يفخرون ، فيقولون : إنه يحضر مجلس مالك نحو من ستين معمما . والله لقد عددت في مجلس الشافعي ثلاثمائة معمم سوى من شذ عني .
قال الربيع : اشتريت للشافعي طيبا بدينار ، فقال : ممن اشتريت ؟ قلت : من ذاك الأشقر الأزرق . قال : أشقر أزرق ! رده ، رده ، ما جاءني خير قط من أشقر . [ ص: 40 ]
أبو حاتم : حدثنا حرملة ، حدثنا الشافعي ، يقول : احذر الأعور ، والأعرج ، والأحول ، والأشقر ، والكوسج ، وكل ناقص الخلق ، فإنه صاحب التواء ، ومعاملته عسرة .
العكري : سمعت الربيع يقول : كنت أنا والمزني والبويطي عند الشافعي ، فنظر إلينا ، فقال لي : أنت تموت في الحديث ، وقال للمزني : هذا لو ناظره الشيطان ، قطعه وجدله ، وقال للبويطي : أنت تموت في الحديد قال : فدخلت على البويطي أيام المحنة ، فرأيته مقيدا مغلولا . وجاءه رجل مرة ، فسأله -يعني الشافعي - عن مسألة ، فقال : أنت نساج ؟ قال : عندي أجراء .
أحمد بن سلمة النيسابوري : قال أبو بكر محمد بن إدريس وراق الحميدي : سمعت الحميدي يقول : قال الشافعي : خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها .
وعن الربيع قال : مر أخي ، فرآه الشافعي ، فقال : هذا أخوك ؟ ولم يكن رآه . قلت : نعم .
أبو علي بن حمكان : حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الهمذاني العدل ، حدثنا أبو مسلم الكجي ، حدثنا الأصمعي ، عن الشافعي : أصل [ ص: 41 ] العلم التثبيت ، وثمرته السلامة ، وأصل الورع القناعة ، وثمرته الراحة ، وأصل الصبر الحزم ، وثمرته الظفر ، وأصل العمل التوفيق ، وثمرته النجح ، وغاية كل أمر الصدق .
بلغنا عن الكديمي ، حدثنا الأصمعي ، قال : سمعت الشافعي يقول : العالم يسأل عما يعلم وعما لا يعلم ، فيثبت ما يعلم ، ويتعلم ما لا يعلم ، والجاهل يغضب من التعلم ، ويأنف من التعليم .
أبو حاتم : حدثنا محمد بن يحيى بن حسان ، سمعت الشافعي يقول : العلم علمان : علم الدين وهو الفقه ، وعلم الدنيا وهو الطب ، وما سواه من الشعر وغيره فعناء وعبث .
وعن الربيع قال : قلت للشافعي : من أقدر الفقهاء على المناظرة ؟ قال : من عود لسانه الركض في ميدان الألفاظ لم يتلعثم إذا رمقته العيون .
في إسنادها أبو بكر النقاش وهو واه .
وعن الشافعي : بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد .
قال يونس الصدفي : قال لي الشافعي : ليس إلى السلامة من [ ص: 42 ] الناس سبيل ، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه .
وعن الشافعي قال : ما رفعت من أحد فوق منزلته إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه .
وعنه : ضياع العالم أن يكون بلا إخوان ، وضياع الجاهل قلة عقله ، وأضيع منهما من واخى من لا عقل له .
وعنه : إذا خفت على عملك العجب ، فاذكر رضى من تطلب ، وفي أي نعيم ترغب ، ومن أي عقاب ترهب . فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله .
آلات الرياسة خمس : صدق اللهجة ، وكتمان السر ، والوفاء بالعهد ، وابتداء النصيحة ، وأداء الأمانة .
محمد بن فهد المصري : حدثنا الربيع ، سمعت الشافعي يقول : من استغضب فلم يغضب ، فهو حمار ، ومن استرضي فلم يرض ، فهو شيطان .


