قال محمد بن أحمد غنجار  في " تاريخ بخارى   " : سمعت أبا عمرو أحمد بن محمد المقرئ  ، سمعت مهيب بن سليم  ، سمعت جعفر بن محمد القطان  إمام كرمينية  يقول : سمعت  محمد بن إسماعيل  يقول : كتبت عن ألف شيخ وأكثر ، عن كل واحد منهم عشرة آلاف وأكثر ، ما عندي حديث إلا أذكر إسناده . 
قال غنجار   : وحدثنا محمد بن عمران الجرجاني  ، سمعت عبد الرحمن بن محمد البخاري  ، سمعت  محمد بن إسماعيل  يقول : لقيت أكثر من ألف رجل أهل الحجاز  والعراق  والشام  ومصر  ، لقيتهم كرات ، أهل الشام  ومصر  والجزيرة  مرتين ، وأهل البصرة   أربع مرات ، وبالحجاز  ستة أعوام ، ولا أحصي كم دخلت الكوفة  وبغداد  مع محدثي خراسان  ، منهم : المكي بن إبراهيم  ، ويحيى بن يحيى  ، وابن شقيق  ، وقتيبة  ، وشهاب بن معمر  ، وبالشام   : الفريابي  وأبا مسهر  ، وأبا المغيرة  ، وأبا اليمان  ، وسمى خلقا . ثم قال : فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه  [ ص: 408 ] الأشياء ، أن الدين قول وعمل ، وأن القرآن كلام الله . 
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق   : سمعت حاشد بن إسماعيل  وآخر يقولان : كان أبو عبد الله البخاري  يختلف معنا إلى مشايخ البصرة  وهو غلام ، فلا يكتب ، حتى أتى على ذلك أيام ، فكنا نقول له : إنك تختلف معنا ولا تكتب ، فما تصنع ؟ فقال لنا يوما بعد ستة عشر يوما : إنكما قد أكثرتما علي وألححتما ، فاعرضا علي ما كتبتما . فأخرجنا إليه ما كان عندنا ، فزاد على خمسة عشر ألف حديث ، فقرأها كلها عن ظهر القلب ، حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه . ثم قال : أترون أني أختلف هدرا ، وأضيع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد . 
قال : وسمعتهما يقولان : كان أهل المعرفة من البصريين  يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ، ويجلسوه في بعض الطريق ، فيجتمع عليه ألوف ، أكثرهم ممن يكتب عنه . وكان شابا لم يخرج وجهه . 
وقال  أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ   : سمعت عدة مشايخ يحكون أن  محمد بن إسماعيل البخاري  قدم بغداد  ، فسمع به أصحاب الحديث ، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث ، فقلبوا متونها وأسانيدها ، وجعلوا متن هذا الإسناد هذا ، وإسناد هذا المتن هذا ، ودفعوا إلى كل  [ ص: 409 ] واحد عشرة أحاديث ليلقوها على  البخاري  في المجلس ، فاجتمع الناس ، وانتدب أحدهم ، فسأل  البخاري  عن حديث من عشرته ، فقال : لا أعرفه . وسأله عن آخر ، فقال : لا أعرفه . وكذلك حتى فرغ من عشرته . فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ، ويقولون : الرجل فهم . ومن كان لا يدري قضى على  البخاري  بالعجز ، ثم انتدب آخر ، ففعل كما فعل الأول .  والبخاري  يقول : لا أعرفه . ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفس ، وهو لا يزيدهم على : لا أعرفه . فلما علم أنهم قد فرغوا ، التفت إلى الأول منهم ، فقال : أما حديثك الأول فكذا ، والثاني كذا ، والثالث كذا إلى العشرة ، فرد كل متن إلى إسناده . وفعل بالآخرين مثل ذلك . فأقر له الناس بالحفظ . فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول : الكبش النطاح . 
وقال غنجار   : حدثنا منصور بن إسحاق الأسدي  ، سمعت عبد الله بن محمد بن إبراهيم الزاغوني  ، سمعت يوسف بن موسى المروروذي  يقول : كنت بالبصرة  في جامعها ، إذ سمعت مناديا ينادي : يا أهل العلم ، قد قدم  محمد بن إسماعيل البخاري  ، فقاموا في طلبه ، وكنت معهم ، فرأينا رجلا شابا ، يصلي خلف الأسطوانة . فلما فرغ من الصلاة ، أحدقوا به ، وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء ، فأجابهم . فلما كان الغد اجتمع قريب من كذا كذا ألف فجلس للإملاء وقال : يا أهل البصرة   ، أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم ، وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون الكل . ثم قال : حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة  [ ص: 410 ] بن أبي رواد  بلديكم ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة  ، عن منصور  وغيره ، عن  سالم بن أبي الجعد  ، عن أنس   : أن أعرابيا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله ، الرجل يحب القوم . . . وذكر الحديث ثم قال : ليس هذا عندكم ، إن ما عندكم عن غير منصور  ، عن سالم   . وأملى مجلسا على هذا النسق يقول في كل حديث : روى شعبة  هذا الحديث عندكم كذا ، فأما من رواية فلان ، فليس عندكم ، أو كلاما هذا معناه . 
قال يوسف   : وكان دخولي البصرة  أيام  محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب   . 
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق   : قرأ علينا أبو عبد الله  كتاب " الهبة " ، فقال : ليس في هبة  وكيع  إلا حديثان مسندان أو ثلاثة . وفي كتاب  عبد الله بن المبارك  خمسة أو نحوه . وفي كتابي هذا خمسمائة  [ ص: 411 ] حديث أو أكثر . 
وقال : سمعت أبا عبد الله  يقول : تفكرت أصحاب أنس  ، فحضرني في ساعة ثلاثمائة . 
قال : وسمعته يقول : ما قدمت على أحد إلا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به . 
قال : وسمعت سليم بن مجاهد  ، سمعت أبا الأزهر  يقول : كان بسمرقند  أربعمائة ممن يطلبون الحديث ، فاجتمعوا سبعة أيام ، وأحبوا مغالطة  محمد بن إسماعيل  ، فأدخلوا إسناد الشام  في إسناد العراق  ، وإسناد اليمن  في إسناد الحرمين ، فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ، ولا في المتن . 
وقال الفربري   : سمعت أبا عبد الله  يقول : ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند  علي بن المديني  ، وربما كنت أغرب عليه . 
وقال أحيد بن أبي جعفر  والي بخارى   : قال  محمد بن إسماعيل  يوما : رب حديث سمعته بالبصرة  كتبته بالشام  ، ورب حديث سمعته بالشام  كتبته بمصر   . فقلت له : يا أبا عبد الله  بكماله ؟ قال : فسكت .  [ ص: 412 ] 
وقال محمد بن أبي حاتم   : سمعت أبا عبد الله  يقول : ما نمت البارحة حتى عددت كم أدخلت مصنفاتي من الحديث . فإذا نحو مائتي ألف حديث مسندة . 
وسمعته يقول : ما كتبت حكاية قط ، كنت أتحفظها . 
وسمعته يقول : صنفت كتاب " الاعتصام " في ليلة . 
وسمعته يقول : لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة . فقلت له : يمكن معرفة ذلك كله ؟ قال : نعم . 
وسمعته يقول : كنت بنيسابور  أجلس في الجامع ، فذهب عمرو بن زرارة  ،  وإسحاق بن راهويه  إلى يعقوب بن عبد الله  ، والي نيسابور  ، فأخبروه بمكاني ، فاعتذر إليهم ، وقال : مذهبنا إذا رفع إلينا غريب لم نعرفه حبسناه حتى يظهر لنا أمره . فقال له بعضهم : بلغني أنه قال لك : لا تحسن تصلي ، فكيف تجلس ؟ فقال : لو قيل لي شيء من هذا ما كنت أقوم من ذلك المجلس حتى أروي عشرة آلاف حديث ، في الصلاة خاصة .  [ ص: 413 ] 
وسمعته يقول : كنت في مجلس الفريابي  ، فقال : حدثنا سفيان  ، عن أبي عروة  ، عن أبي الخطاب  ، عن أنس   : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف على نسائه في غسل واحد فلم يعرف أحد في المجلس أبا عروة  ، ولا أبا الخطاب   . فقلت : أما أبو عروة  فمعمر  ، وأبو الخطاب  قتادة   . قال : وكان الثوري  فعولا لهذا ، يكني المشهورين . 
قال محمد بن أبي حاتم   : قدم رجاء الحافظ  ، فصار إلى أبي عبد الله  ، فقال لأبي عبد الله   : ما أعددت لقدومي حين بلغك ؟ وفي أي شيء نظرت ؟ فقال : ما أحدثت نظرا ، ولم أستعد لذلك ، فإن أحببت أن تسأل عن شيء ، فافعل ، فجعل يناظره في أشياء ، فبقي رجاء  لا يدري أين هو . ثم قال له أبو عبد الله   : هل لك في الزيادة ؟ فقال استحياء منه وخجلا : نعم . قال : سل إن شئت ؟ فأخذ في أسامي أيوب  ، فعد نحوا من ثلاثة عشر ، وأبو عبد الله  ساكت . فلما فرغ قال له أبو عبد الله   : لقد جمعت ، فظن رجاء  أنه قد صنع شيئا ، فقال لأبي عبد الله   : يا أبا عبد الله  ، فاتك خير كثير . فزيف أبو عبد الله  في أولئك سبعة أو ثمانية ، وأغرب عليه أكثر من ستين . ثم قال له رجاء   : كم رويت في العمامة السوداء ؟ قال : هات كم رويت أنت ؟ ثم قال : نروي نحوا من أربعين  [ ص: 414 ] حديثا . فخجل رجاء  من ذاك ، ويبس ريقه . 
قال محمد   : سمعت أبا عبد الله  يقول : دخلت بلخ  ، فسألني أصحاب الحديث أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه حديثا . فأمليت ألف حديث لألف رجل ممن كتبت عنهم . 
وقال محمد بن أبي حاتم   : قال أبو عبد الله   : سئل إسحاق بن إبراهيم  عمن طلق ناسيا . فسكت ساعة طويلة متفكرا ، والتبس عليه الأمر . فقلت أنا : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : إن الله عز وجل تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم وإنما يراد مباشرة هذه الثلاث العمل والقلب ، أو الكلام والقلب وهذا لم يعتقد بقلبه . فقال إسحاق   : قويتني ، وأفتى به . 
وقال محمد   : سمعت  محمد بن إسماعيل  يقول : كان  إسماعيل بن أبي أويس  إذا انتخبت من كتابه نسخ تلك الأحاديث . وقال : هذه الأحاديث انتخبها  محمد بن إسماعيل  من حديثي . 
وقال محمد   : سمعت الفربري  ، يقول : رأيت عبد الله بن منير  يكتب عن  البخاري   .  [ ص: 415 ] 
وسمعته يقول : أنا من تلاميذ  محمد بن إسماعيل  ، وهو معلم . 
قلت : وقد روى  البخاري  أحاديث في " صحيحه " عن عبد الله بن منير  ، عن  يزيد بن هارون  ، وجماعة . وكان زاهدا عابدا حتى قال  البخاري   : لم أر مثله . 
قلت : وتوفي هو والإمام أحمد  في سنة . 
قال محمد   : وسمعت أبا بكر المديني  بالشاش  زمن عبد الله بن أبي عرابة  يقول : كنا بنيسابور  عند إسحاق بن راهويه  ، وأبو عبد الله  في المجلس ، فمر إسحاق  بحديث كان دون الصحابي عطاء الكيخاراني  ، فقال إسحاق   : يا أبا عبد الله  ، أيش كيخاران  ؟ فقال : قرية باليمن  ، كان  معاوية بن أبي سفيان  بعث هذا الرجل ، وكان يسميه أبو بكر  ، فأنسيته إلى اليمن  ، فمر بكيخاران  ، فسمع منه عطاء  حديثين ، فقال له إسحاق   : يا أبا عبد الله  ، كأنك شهدت القوم . 
وقال  ابن عدي   : حدثني محمد بن أحمد القومسي  ، سمعت محمد بن خميرويه  ، سمعت  محمد بن إسماعيل  يقول : أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح .  [ ص: 416 ] 
قال : وسمعت أبا بكر الكلواذاني  يقول : ما رأيت مثل  محمد بن إسماعيل  ، كان يأخذ الكتاب من العلماء ، فيطلع عليه اطلاعة ، فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة . 
قال محمد بن يوسف الفربري   : سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم الوراق  يقول في الزيادات المذيلة على شمائل أبي عبد الله   -قلت : وليست هي داخلة في رواية ابن خلف الشيرازي   - قال : سمعت  محمد بن إسماعيل البخاري  يقول : ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم ، وحتى نظرت في عامة كتب الرأي ، وحتى دخلت البصرة  خمس مرات أو نحوها . فما تركت بها حديثا صحيحا إلا كتبته ، إلا ما لم يظهر لي . 
وقال غنجار  في " تاريخه " : حدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد المقرئ  ، حدثنا أبو بكر محمد بن يعقوب بن يوسف البيكندي  ، سمعت علي بن الحسين بن عاصم البيكندي  يقول : قدم علينا  محمد بن إسماعيل  ، قال : فاجتمعنا عنده . فقال بعضنا : سمعت إسحاق بن راهويه  يقول : كأني أنظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي . فقال  محمد بن إسماعيل   : أو تعجب من هذا؟! لعل في هذا الزمان من ينظر إلى مائتي ألف حديث من كتابه . وإنما عنى به نفسه . 
				
						
						
