المكتفي بالله 
الخليفة أبو محمد ، علي بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل العباسي . 
مولده في سنة أربع وستين ومائتين . 
وكان يضرب بحسنه المثل في زمانه . 
كان معتدل القامة ، دري اللون ، أسود الشعر ، حسن اللحية . 
بويع بالخلافة عند موت والده بعهد منه ، في جمادى الأولى ، سنة تسع وثمانين ، فاستخلف ستة أعوام ونصفا . 
وتوفي أبوه وهذا غائب ، فقام له بالبيعة الوزير أبو الحسين القاسم بن عبيد الله  ، وضبط له ما خلف أبوه في بيوت المال ، فكان من ذلك من الذهب المصري عشرة الآف ألف دينار ، ومن الجواهر ما قيمته مثل ذلك ، ومن الدراهم والخيل والثياب نسبة ذلك ، وقسم القاسم  في الجند العطاء ،  [ ص: 480 ] فسكنوا ، وقدم المكتفي  بغداد  منحدرا في سميرية وكان يوما مشهودا ، سقط طائفة من الجسر في دجلة  ، منهم : أبو عمر القاضي  ، فأخرج سالما  ونزل المكتفي  بقصر الخلافة ، وتكلمت الشعراء ، فخلع على القاسم  سبع خلع ، وقلده سيفا ، وهدم المطامير التي عملها أبوه ، وصيرها مساجد ، ورد أملاك الناس إليهم ، وكان أبوه قد أخذها لعمل قصر ، وأحسن السيرة ، فأحبه الناس . 
وفيها : عسكر محمد بن هارون  وبيض ، والتقى متولي الري ، فهزم جيشه وقتله ، وقتل ولديه وقواده ، وتملك . ودامت الزلزلة ببغداد  أياما . وهبت بالبصرة  ريح قلعت أكثر نخلها . 
وظهر زكرويه القرمطي  ، واستغوى عرب السواد ، وأخاف السبل ، وقطع الطرق . 
وأما ابن هارون   : فاشتد بأسه ، وبلغ عسكره مائة ألف ، فسار لحربه عسكر خراسان  ، فهزموه إلى الديلم  ، وتفلل ذلك الجمع ، فالتجأ في نحو من ألف إلى الديلم   . 
وقوي أمر أبي عبد الله الشيعي  ، داعي العبيدية بالمغرب   . وصلى المكتفي  بالناس يوم الأضحى بالمصلى .  [ ص: 481 ] وقتل الأمير بدر  وكان المعتضد  يحبه ، وكان شجاعا جوادا ، وقد كان القاسم  الوزير هم عند موت المعتضد  بنقل الخلافة إلى غير ابنه ، وناظر بدرا  في ذلك ، فأبى عليه ، ثم خاف منه ، ومات المعتضد  ، واتفق غيبة بدر  ، وكان بينه وبين المكتفي  شيء ، فأشار القاسم  على المكتفي  أن يأمر بإقامة بدر  هناك ، وخوف المكتفي  منه ، فكتب إليه مع يانس الموفقي  ، وبعث إليه بخلع وعشرة آلاف ألف درهم ، فقال : لا بد من القدوم لأشاهد مولاي . فقال الوزير للمكتفي   : قد جاهرك ، ولا نأمنه . وكاتب الوزير الأمراء الذين مع بدر  بالمجيء ، فأروا بدرا  الكتب ، وقالوا : قم معنا حتى نجمع بينكما ، ثم فارقوه وقدموا ، ثم جاء بدر  ، فنزل واسطا  ، فبعث إليه أبو خازم القاضي  ، وقال : اذهب إلى بدر  بالأمان والعهود . فامتنع أبو خازم  ، وقال : لا أؤدي عن الخليفة إلا ما أسمعه منه . فندب الوزير أبا عمر القاضي  ، فسارع واجتمع ببدر  ، وأعطاه الأمان عن المكتفي  ، فنزل في طيار ليأتي ، فتلقاه لؤلؤ  غلام الوزير في جماعة ، فأصعدوه إلى جزيرة ، فلما عاين الموت ، قال : دعوني أصلي ركعتين وأوصي ، فذبحوه وهو في الركعة الثانية ليلة الجمعة ، السابع والعشرين من رمضان ، وذم الناس أبا عمر   . 
وفيها دخل عبيد الله المهدي  إلى المغرب  متنكرا ، فقبض عليه متولي سجلماسة   . 
وسار يحيى بن زكرويه القرمطي  ، وحاصر دمشق  ، وبها طغج ،  [ ص: 482 ] فضعف عن القرامطة  ، فقتل يحيى  في الحصار ، وقام بعده أخوه الحسين  ، وسار المكتفي  بجيوشه إلى الموصل  ، وتقدمه إلى حلب  أبو الأغر  ، فبيتهم القرمطي  ، فقتل من المسلمين تسعة آلاف ، ووصل المكتفي  إلى الرقة  ، وعظم البلاء بالقرامطة  ، ثم أوقع بهم العسكر ، وهربوا إلى البادية يعيثون وينهبون ، وتبعهم الحسين بن حمدان  وعدة أمراء يطردونهم ، وكان يحيى  المقتول يدعي أنه حسيني . رماه بربري بحربة ، ثم قتل أخوه الحسين  صاحب الشامة . 
وفي سنة إحدى وتسعين ومائتين : زوج المكتفي  ولده ببنت الوزير على مائة ألف دينار ، وخلع الوزير يومئذ على الأعيان أربع مائة خلعة . 
وفيها : أقبلت جموع الترك  ، فبيتهم والي خراسان  إسماعيل  ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وأقبلت الروم  في مائة ألف ، وأتوا إلى الحدث  [ ص: 483 ] فأحرقوه ، وقتلوا وسبوا . 
وفيها : سار عسكر طرسوس  ، فافتتحوا أنطاكية  ، وحصل سهم الفارس ألف دينار ، وأسر صاحب الشامة وقرابته المدثر  وعدة ، فقتلوا وأحرقوا . 
وفي سنة اثنتين وتسعين : سار محمد بن سليمان  بجيوش المكتفي  إلى مصر  ، فالتقوا غير مرة ، ثم اختلف جيش مصر  ، فخرج ملكهم هارون بن خمارويه  ليسكنهم ، فرماه مغربي بسهم قتله ، واستولى محمد بن سليمان  على مصر  ، وأسر بضعة عشر قائدا ، ودانت البلاد للمكتفي  ، وزادت دجلة  حتى بلغت أحدا وعشرين ذراعا ، وأخرجت ما لا يعبر عنه . 
وفي آخرها : خرج بمصر  الخلنجي  وتمكن ، فتجهز فاتك  لحربه . 
وفي سنة ثلاث : التقى الخلنجي  وجيش المكتفي  بالعريش  ، فهزمهم أقبح هزيمة ، ونازل دمشق  أخو القرمطي  ، واستباح طبرية  ، وساروا على السماوة  فنهبوا هيت  ووثبت القرامطة  يوم النحر على الكوفة  ، فحاربهم أهلها ، ثم حاربوا عسكر المكتفي  أيضا وهزموه .  [ ص: 484 ] والتقى فاتك المعتضدي  والخلنجي  ، فانهزم عسكر الخلنجي  ، واختفى هو ، ثم أسر هو وعدة . 
وفي سنة أربع وتسعين ومائتين : أخذ زكرويه القرمطي  ركب العراق  ، وكن نساء العرب يجهزن على الجرحى ، فيقال : قتلوا عشرين ألفا ، وأخذوا ما قيمته ألفا ألف دينار ، ووقع النوح في المدن ، وجهز المكتفي  جيشا لحربه ، فلا تسأل ما فعل هذا الكلب بالوفد ! ثم التقوا فقتل عامة أصحاب زكرويه  ، وأسر هو وعدة ، ثم مات من جراحه ، وأحرق هو وجماعة . 
وفي سنة خمس وتسعين كان الفداء بين المسلمين والروم  ، فافتك نحو ثلاثة الآف نفر . 
ومات المكتفي  شابا ، في سابع ذي القعدة من السنة . 
ذكر أبو منصور الثعالبي  ، قال : حكى إبراهيم بن نوح  أن المكتفي  خلف من الذهب مائة ألف ألف دينار . هكذا قال . وهو بعيد جدا . قال : وخلف ثلاثة وستين ألف ثوب ، وبويع بعده أخوه المقتدر   . واسم أم المكتفي   : جنجق التركية   . 
مات في ثالث عشر ذي القعدة ، وعاش إحدى وثلاثين سنة وأشهرا . وخلف من الأولاد : محمدا  ، وجعفرا  ، والفضل  ، وعبد الله  ، وعبد الملك  ، وعبد الصمد  ، وموسى  ، وعيسى   . 
ومات وزيره القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب  في ذي القعدة ، سنة إحدى وتسعين ومائتين ، فوزر له العباس بن الحسن   .  [ ص: 485 ] 
وكان على شرطته مؤنس  والواثقي  ثم سوسن  مولاه وحاجبه ، وعلى قضاء بغداد  يوسف بن يعقوب القاضي  وابنه محمد  ، وأبو خازم عبد الحميد  ، وعبد الله بن علي بن أبي الشوارب  بعد أبي خازم   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					