ابن حبان 
الإمام العلامة الحافظ المجود شيخ خراسان  أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد بن سهيد بن هدية  [ ص: 93 ] بن مرة بن سعد بن يزيد بن مرة بن زيد بن عبد الله بن دارم بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي الدارمي البستي ، صاحب الكتب المشهورة . 
ولد سنة بضع وسبعين ومائتين . وأكبر شيخ لقيه أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي  ، سمع منه بالبصرة  ، ومن زكريا الساجي  ، وسمع بمصر  من  أبي عبد الرحمن النسائي  ، وإسحاق بن يونس المنجنيقي  وعدة ، وبالموصل  من أبي يعلى أحمد بن علي  ، وبنسا  من الحسن بن سفيان  ، وبجرجان  من عمران بن موسى بن مجاشع السختياني  ، وببغداد  من أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي  وطبقته ، وبدمشق  من جعفر بن أحمد  ،  ومحمد بن خريم  ، وخلق ، وبنيسابور  من  ابن خزيمة  ، والسراج  ، والماسرجسي  ، وبعسقلان  من محمد بن الحسن بن قتيبة  ، وببيت المقدس  من عبد الله بن محمد بن سلم  ، وبطبرية  من سعيد بن هاشم  ، وبهراة  من محمد بن عبد الرحمن السامي  ، والحسين بن إدريس  ، وبتستر  من  أحمد بن يحيى بن زهير  ، وبمنبج  من عمر بن سعيد  ، وبالأبلة من أبي يعلى بن زهير  ، وبحران  من أبي عروبة  ، وبمكة  من المفضل الجندي  ، وبأنطاكية  من أحمد بن عبيد الله الدارمي  ، وببخارى  من عمر بن محمد بن بجير   . 
 [ ص: 94 ] حدث عنه : أبو عبد الله بن منده  ،  وأبو عبد الله الحاكم  ، ومنصور بن عبد الله الخالدي  ، وأبو معاذ عبد الرحمن بن محمد بن رزق الله السجستاني  ، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن هارون الزوزني  ، ومحمد بن أحمد بن منصور النوقاتي  ، وخلق سواهم . 
قال أبو سعد الإدريسي   : كان على قضاء سمرقند  زمانا ، وكان من فقهاء الدين ، وحفاظ الآثار ، عالما بالطب ، وبالنجوم ، وفنون العلم . 
صنف المسند الصحيح ، يعني به : كتاب " الأنواع والتقاسيم " وكتاب " التاريخ " ، وكتاب " الضعفاء " . وفقه الناس بسمرقند   . 
وقال  الحاكم   : كان  ابن حبان  من أوعية العلم في الفقه ، واللغة ، والحديث ، والوعظ ، ومن عقلاء الرجال . قدم نيسابور  سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ، فسار إلى قضاء نسا  ، ثم انصرف إلينا في سنة سبع ، فأقام عندنا بنيسابور  ، وبنى الخانقاه ، وقرئ عليه جملة من مصنفاته ، ثم خرج من نيسابور  إلى وطنه سجستان  عام أربعين ، وكانت الرحلة إليه لسماع كتبه . 
وقال أبو بكر الخطيب   : كان  ابن حبان  ثقة نبيلا فهما . 
وقال  أبو عمرو بن الصلاح  في " طبقات الشافعية " : غلط  ابن حبان  الغلط الفاحش في تصرفاته . 
قال  ابن حبان  في أثناء كتاب " الأنواع " : لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ . 
قلت : كذا فلتكن الهمم ، هذا مع ما كان عليه من الفقه ، والعربية ، والفضائل الباهرة ، وكثرة التصانيف . 
 [ ص: 95 ] قال الخطيب   : ذكر  مسعود بن ناصر السجزي  تصانيف  ابن حبان  ، فقال : " تاريخ الثقات " ، " علل أوهام المؤرخين " مجلد ، " علل مناقب الزهري   " عشرون جزءا ، " علل حديث مالك " عشرة أجزاء ، " علل ما أسند أبو حنيفة " عشرة أجزاء ، " ما خالف فيه سفيان  شعبة " ثلاثة أجزاء ، " ما خالف فيه شعبة  سفيان   " جزءان ، " ما انفرد به أهل المدينة  من السنن " مجلد ، " ما انفرد به المكيون " مجيليد ، " ما انفرد به أهل العراق   " مجلد ، " ما انفرد به أهل خراسان   " مجيليد ، " ما انفرد به ابن عروبة  عن قتادة  ، أو شعبة  عن قتادة   " مجيليد ، " غرائب الأخبار " مجلد ، " غرائب الكوفيين " عشرة أجزاء ، " غرائب أهل البصرة   " ثمانية أجزاء ، " الكنى " مجيليد ، " الفصل والوصل " مجلد ، " الفصل بين حديث أشعث بن عبد الملك  ،  وأشعث بن سوار   " جزءان ، كتاب " موقوف ما رفع " عشرة أجزاء ، " مناقب مالك   " ، " مناقب  الشافعي   " ، كتاب " المعجم على المدن " عشرة أجزاء ، " الأبواب المتفرقة " ثلاثة مجلدات ، " أنواع العلوم وأوصافها " ثلاثة مجلدات ، " الهداية إلى علم السنن " مجلد ، " قبول الأخبار " ، وأشياء . 
قال مسعود بن ناصر   : وهذه التواليف إنما يوجد منها النزر اليسير ، وكان قد وقف كتبه في دار ، فكان السبب في ذهابها مع تطاول الزمان ضعف أمر السلطان ، واستيلاء المفسدين . 
قال أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري  مؤلف كتاب " ذم  [ ص: 96 ] الكلام " : سمعت عبد الصمد بن محمد بن محمد  ، سمعت أبي يقول : أنكروا على أبي حاتم بن حبان  قوله : النبوة : " العلم والعمل " فحكموا عليه بالزندقة ، هجر ، وكتب فيه إلى الخليفة ، فكتب بقتله . قلت : هذه حكاية غريبة ، وابن حبان فمن كبار الأئمة ، ولسنا ندعي فيه العصمة من الخطأ ، لكن هذه الكلمة التي أطلقها قد يطلقها المسلم ، ويطلقها الزنديق الفيلسوف ، فإطلاق المسلم لها لا ينبغي ، لكن يعتذر عنه ، فنقول : لم يرد حصر المبتدأ في الخبر ، ونظير ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - : الحج عرفة ومعلوم أن الحاج لا يصير بمجرد الوقوف بعرفة حاجا ، بل بقي عليه فروض وواجبات ، وإنما ذكر مهم الحج . وكذا هذا ذكر مهم النبوة ، إذ من أكمل صفات النبي كمال العلم والعمل ، فلا يكون أحد نبيا إلا بوجودهما ، وليس كل من برز فيهما نبيا ؛ لأن النبوة موهبة من الحق تعالى ، لا حيلة للعبد في اكتسابها ، بل بها يتولد العلم اللدني والعمل الصالح . 
وأما الفيلسوف فيقول : النبوة مكتسبة ينتجها العلم والعمل ، فهذا  [ ص: 97 ] كفر ، ولا يريده أبو حاتم  أصلا ، وحاشاه ، وإن كان في تقاسيمه - من الأقوال والتأويلات البعيدة ، والأحاديث المنكرة - عجائب ، وقد اعترف أن " صحيحه " لا يقدر على الكشف منه إلا من حفظه ، كمن عنده مصحف لا يقدر على موضع آية يريدها منه إلا من يحفظه . 
وقال في " صحيحه " : شرطنا في نقله ما أودعناه في كتابنا ألا نحتج إلا بأن يكون في كل شيخ فيه خمسة أشياء : العدالة في الدين بالستر الجميل . 
الثاني : الصدق في الحديث بالشهرة فيه . الثالث : العقل بما يحدث من الحديث . الرابع : العلم بما يحيل المعنى من معاني ما روى . الخامس : تعري خبره من التدليس . فمن جمع الخصال الخمس احتججنا به . 
وقال أبو إسماعيل الأنصاري   : سمعت يحيى بن عمار الواعظ  ، وقد سألته عن  ابن حبان  ، فقال : نحن أخرجناه من سجستان  ، كان له علم كثير ، ولم يكن له كبير دين ، قدم علينا ، فأنكر الحد لله ، فأخرجناه . قلت : إنكاركم عليه بدعة أيضا ، والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله ، ولا أتى نص بإثبات ذلك ولا بنفيه . و من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وتعالى الله أن يحد أو يوصف إلا بما وصف به نفسه ، أو علمه  [ ص: 98 ] رسله بالمعنى الذي أراد بلا مثل ولا كيف ليس كمثله شيء وهو السميع البصير   . 
قرأت بخط الحافظ الضياء  في جزء علقه مآخذ على كتاب  ابن حبان  ، فقال في حديث أنس  في الوصال فيه دليل على أن الأخبار التي فيها وضع الحجر على بطنه من الجوع كلها بواطيل ، وإنما معناها الحجز ، وهو طرف الرداء ، إذ الله يطعم رسوله ، وما يغني الحجر من الجوع . 
قلت : فقد ساق في كتابه حديث ابن عباس  في خروج أبي بكر  وعمر  من الجوع ، فلقيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه ، فقال : أخرجني الذي أخرجكما فدل على أنه كان يطعم ويسقى في الوصال خاصة . 
وقال في حديث عمران بن حصين  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل : أصمت من سرر شعبان شيئا ؟ قال : لا . قال : إذا أفطرت فصم يومين فهذه لفظة استخبار ، يريد الإعلام بنفي جواز ذلك ، كالمنكر  [ ص: 99 ] عليه لو فعله ، كقوله  لعائشة   : تسترين الجدر ؟ ! وأمره بصوم يومين من شوال أراد به انتهاء السرار . وذلك في الشهر الكامل والسرار في الشهر الناقص يوم واحد . 
قلنا : لو كان منكرا عليه لما أمره بالقضاء . 
وقال في حديث : مررت بموسى  وهو يصلي في قبره أحيا الله موسى  في قبره حتى مر عليه المصطفى عليه السلام . وقبره بمدين  ، بين المدينة  وبين بيت المقدس   . 
وحديث : كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ، وله تسع نسوة وفي رواية الدستوائي  عن قتادة  وهي : إحدى عشرة . 
 [ ص: 100 ] قال  ابن حبان   : فحكى أنس  ذلك الفعل منه أول قدومه المدينة  ، حيث كانت تحته إحدى عشرة امرأة . والخبر الأول إنما حكاه أنس  في آخر قدومه المدينة  ، حيث كانت تحته تسع ؛ لأن هذا الفعل كان منه مرات . 
قلنا : أول قدومه فما كان له سوى امرأة ، وهي سودة  ، ثم إلى السنة الرابعة من الهجرة لم يكن عنده أكثر من أربع نسوة ، فإنه بنى بحفصة   ، وبأم سلمة  في سنة ثلاث ، وقبلها سودة   وعائشة  ، ولا نعلم أنه اجتمع عنده في آن إحدى عشرة زوجة . 
وقال : ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن بين إسماعيل  وداود  ألف  [ ص: 101 ] سنة ، فروى خبر أبي ذر  قال : قلت : يا رسول الله كم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى ؟ قال : أربعون سنة  . 
حديث ابن عمر  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في رجب قال : فيه البيان بأن الحبر الفاضل قد ينسى ، قال ؛ لأن المصطفى ما اعتمر إلا أربعا : أولاها عمرة القضاء عام القابل من عام الحديبية ، قال : وكان ذلك في رمضان  . 
ثم الثانية حين فتح مكة  في رمضان . ولما رجع من هوازن  اعتمر من الجعرانة  وذلك في شوال . والرابعة مع حجته . فوهم أبو حاتم  كما ترى في أشياء . 
 [ ص: 102 ] ففي " الصحيحين " لأنس   : اعتمر نبي الله أربع عمر ، كلهن في ذي القعدة إلا التي من حجته ، عمرة الحديبية ، وعمرته من العام المقبل ، وعمرته من الجعرانة   . 
وقال : ذكر ما كان يقرأ - عليه السلام - في جلوسه بين الخطبتين ، فما ذكر شيئا . 
توفي  ابن حبان  بسجستان  بمدينة بست  في شوال سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وهو في عشر الثمانين . وما ظفرت بشيء من حديثه عاليا . 
كتب إلي المسلم بن محمد العلاني  ، أخبرنا أبو اليمن الكندي  ، أخبرنا أبو منصور الشيباني  ، أخبرنا أبو بكر الحافظ  ، أخبرنا أبو معاذ عبد الرحمن بن محمد  سنة ثلاث عشرة وأربعمائة - قدم للحج - أخبرنا أبو حاتم التميمي  ، حدثنا أبو خليفة  ، حدثنا القعنبي  ، عن شعبة  ، عن منصور  ، عن ربعي  ، عن أبي مسعود  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت  . 
 [ ص: 103 ] أخبرنا أحمد بن هبة الله  ، أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد  ، أخبرنا زاهر بن طاهر  ، أخبرنا  أبو بكر البيهقي  ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن منصور النوقاني  ، أخبرنا  أبو حاتم محمد بن حبان  ، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي   ( ح ) وأخبرنا أحمد بن إسحاق  ، أخبرنا أحمد بن صرما  والفتح بن عبد الله  قالا : أخبرنا محمد بن عمر  ، أخبرنا ابن النقور  ، أخبرنا علي بن عمر الحربي  ، حدثنا الصوفي  ، حدثنا  يحيى بن معين  ، حدثنا عبدة  ، عن  هشام بن عروة  ، عن  موسى بن عقبة  ، عن عبد الله بن عمرو الأودي  ، عن ابن مسعود  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يحرم على النار كل هين لين قريب سهل  . 
أخرجه الترمذي  من حديث  عبدة بن سليمان  ، وحسنه . 
قرأت على سليمان بن حمزة القاضي  ، أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحافظ  ، أخبرنا عبد المعز بن محمد  ، أن تميما الجرجاني  أخبرهم ، أخبرنا علي بن محمد البحاثي  ، أخبرنا محمد بن أحمد الزوزني  ، أخبرنا محمد بن حبان  ، حدثنا الحسن بن سفيان  ، حدثنا يزيد بن صالح  ، ومحمد بن أبان الواسطي  قالا : حدثنا جرير بن حازم  ، سمعت أبا رجاء العطاردي  ، سمعت ابن عباس  على المنبر يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يزال  [ ص: 104 ] أمر هذه الأمة موائما أو مقاربا ما لم يتكلموا في الولدان والقدر  . 
هذا حديث صحيح ولم يخرج في الكتب الستة . 
أنبأنا يحيى بن أبي منصور  ، أخبرنا عبد القادر الحافظ  ، أخبرنا مسعود بن الحسن  ، أخبرنا أبو عمرو بن منده  ، أخبرنا أبي ، أخبرنا  أبو حاتم بن حبان  ، حدثنا عمر بن محمد بن بجير  ، حدثنا  ابن السرح  ، حدثنا ابن وهب  ، حدثنا بكر بن مضر  ، عن الأوزاعي  قال : " بلغني أن الله إذا أراد بقوم شرا ، ألزمهم الجدل ، ومنعهم العمل  " . 
أخبرنا الحسن بن علي  ، أخبرنا ابن اللتي  ، أخبرنا أبو الوقت  ، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري  ، أخبرنا عبد الصمد بن محمد بن محمد بن صالح  ، أخبرنا أبي ، أخبرنا محمد بن حبان  ، سمعت أسامة بن أحمد  بمصر  ، سمعت السرح ، سمعت عبد الرحمن بن القاسم  ، سمعت  مالكا  ، يقول : " ما أحد ممن تعلمت منه العلم إلا صار إلي حتى سألني عن أمر دينه " . 
				
						
						
