ابن منده 
الإمام الحافظ الجوال ، محدث الإسلام ، أبو عبد الله ، محمد بن المحدث أبي يعقوب إسحاق بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يحيى بن  [ ص: 29 ] منده  ، واسم منده إبراهيم بن الوليد بن سندة بن بطة بن أستندار بن جهار بخت  ، وقيل : إن اسم أستندار هذا فيرزان  ، وهو الذي أسلم حين افتتح أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبهان  ، وولاؤه لعبد القيس  ، وكان مجوسيا ، فأسلم ، وناب على بعض أعمال أصبهان  ، العبدي الأصبهاني الحافظ  ، صاحب التصانيف . 
مولده في سنة عشر وثلاثمائة -أو- إحدى عشرة . 
وأول سماعه في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة . 
سمع من : أبيه ، وعم أبيه عبد الرحمن بن يحيى بن منده  ، ومحمد بن القاسم بن كوفي الكراني  ومحمد بن عمر بن حفص  ، وعبد الله بن يعقوب بن إسحاق الكرماني  ، وأبي علي الحسن بن محمد بن النضر ، وهو ابن أبي هريرة  ، وعبد الله بن إبراهيم المقرئ  ، ومحمد بن حمزة بن عمارة  ، وأبي عمرو بن حكيم  ، وأحمد بن محمد اللنباني  وخلق بأصبهان  ، وأبي سعيد بن الأعرابي  وطبقته بمكة  ، وجعفر بن محمد بن موسى العلوي  بالمدينة  ، وأحمد بن زكريا المقدسي  ، وعدة ببيت المقدس  ، وأبي حامد بن بلال  ، ومحمد بن الحسين القطان  ، وأبي علي محمد بن أحمد الميداني  ، وحاجب بن أحمد  ، وأبي العباس الأصم  ، وأبي عبد الله بن الأخرم  ، وأبي بكر محمد بن علي بن محمد  ، ومحمد بن علي بن عمر  ، والحسين بن محمد بن معاذ قوهيار  ، وأبي عثمان عمرو بن عبد الله  [ ص: 30 ] البصري  ، وطبقتهم بنيسابور  ، ارتحل إليها -أولا- وعمره تسع عشرة سنة ، وسمع بها نحوا من خمسمائة ألف حديث ، وسمع ببخارى  من الهيثم بن كليب الشاشي  ، وطائفة ، وسمع ببغداد  من إسماعيل الصفار  ، وأبي جعفر بن البختري الرزاز  وطبقتهما ، وسمع بمصر  من أبي الطاهر أحمد بن عمرو المديني  ، والحسن بن يوسف الطرائفي  ، وأحمد بن بهزاد الفارسي  وأقرانهم ، وبسرخس  من عبد الله بن محمد بن حنبل  ، وبمرو  محمد بن أحمد بن محبوب  ونظرائه ، وبدمشق  من إبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان القنطري  ، وجعفر بن محمد بن هشام  ، وابن أبي العقب  ، وخلق ، وبطرابلس  خيثمة بن سليمان القرشي  ، وبحمص  الحسن بن منصور الإمام  ، وبتنيس  عثمان بن محمد السمرقندي  ، وبغزة  علي بن العباس الغزي  ، وسمع من خلق سواهم بمدائن كثيرة . 
ولم أعلم أحدا كان أوسع رحلة منه ، ولا أكثر حديثا منه مع الحفظ والثقة ، فبلغنا أن عدة شيوخه ألف وسبعمائة شيخ . 
ويروي بالإجازة عن :  عبد الرحمن بن أبي حاتم  ، وأبي العباس بن عقدة  ، والفضل بن الحصيب  ، وطائفة أجازوا له باعتناء أبيه وأهل بيته . 
ولم يعمر كثيرا ، بل عاش أربعا وثمانين سنة . 
وأخذ عن أئمة الحفاظ كأبي أحمد العسال  ، وأبي حاتم بن حبان  ،  وأبي علي النيسابوري  ، وأبي إسحاق بن حمزة  ،  والطبراني  ، وأمثالهم . 
حدث عنه : الحافظ أبو الشيخ  أحد شيوخه ، وأبو بكر بن المقرئ  ،  وأبو عبد الله الحاكم  ، وأبو عبد الله غنجار  ، وأبو سعد الإدريسي  ، وتمام بن محمد الرازي  ، وحمزة بن يوسف السهمي  ،  وأبو نعيم الأصبهاني  ، وأحمد بن الفضل الباطرقاني  وأحمد بن محمود الثقفي  وأبو الفضل عبد الرحمن  [ ص: 31 ] بن أحمد بن بندار الرازي  ، وأبو المظفر عبد الله بن شبيب  ، وأبو أحمد عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن يحيى بن منده  البقال ، وأبو طاهر عمر بن محمد المؤدب  ، ومحمد بن أحمد بن الحسين  المقرئ ، ومحمد بن عبد الملك بن محمد البزار  الزاهد ، وأبو الفتح طاهر بن ممويه  ، وأبو الحسن عدنان بن عبد الله  المؤذن ، وأبو مسلم محمد بن علي بن محمد  الوراق ، وحمد بن أحمد بن عمر بن ولكيز  ، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن المرزبان  المقرئ الصيدلاني ، وأبو الطيب أحمد بن محمد بن عمر  التاجر ، وأحمد بن علي بن عقبة  ، وأحمد بن محمد بن مسلم  الصباغ الأعرج ، وأحمد بن عبد العزيز بن ماشاذه الثقفي  الواعظ ، وأحمد بن علي بن شجاع المصقلي  وأحمد بن محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني  ، وأبو طاهر أحمد بن محمد بن عمر  النقاش ، وحمد بن محمد العسال  ، وزياد بن محمد بن زياد  البقال ، وسليمان بن عبد الرحيم الحسناباذي  ، وشيبان بن عبد الله البرجي  الواعظ ، وطلحة بن أحمد بن بهرام  القصار ، وعبد الرحمن بن زفر  الدلال ، وعبد الواحد بن أحمد بن صالح  المعلم ، وعبد الرزاق بن سلهب  ، وأخوه عمر  ، وعلي بن محمد بن إبراهيم القطان  ، والفضل بن أحمد الأعمى  ، والفضل بن عبد الواحد  النجاد ، ومحمد بن عمر  البقال ، وأبو بكر محمد بن أحمد بن أسيد  الواعظ ، ومحمد بن عمر بن إبراهيم الطهراني  ، ومنصور بن ينال  الشاعر ، وأبو طاهر منتجع بن أحمد الأنصاري  ، والمطهر بن عبد الواحد البزاني  ، وكريمة بنت أبي سعد التميمي  ، وعائشة بنت الحسن الوركانية  من شيوخ الخلال   .  [ ص: 32 ] وعلي بن القاسم بن إبراهيم بن شبويه  الخياط ، وعبد الواحد بن أحمد المعداني  ، وأبو عثمان محمد بن أحمد بن ورقاء  ، وشجاع المصقلي  ، وخلق ، وأولاده أبو القاسم عبد الرحمن  ، وأبو عمرو عبد الوهاب  ، وعبيد الله  ، وإسحاق   . 
قال الباطرقاني  حدثنا أبو عبد الله بن منده  إمام الأئمة في الحديث -لقاه الله رضوانه . 
وقال  الحاكم   : التقينا ببخارى  في سنة إحدى وستين وثلاثمائة ، وقد زاد زيادة ظاهرة ، ثم جاءنا إلى نيسابور  سنة خمس وسبعين ذاهبا إلى وطنه ، فقال شيخنا أبو علي  الحافظ : بنو منده  أعلام الحفاظ في الدنيا قديما وحديثا ، ألا ترون إلى قريحة أبي عبد الله   . ! 
وقيل : إن أبا نعيم  الحافظ ذكر له ابن منده  ، فقال : كان جبلا من الجبال . فهذا يقوله أبو نعيم  مع الوحشة الشديدة التي بينه وبينه .  [ ص: 33 ] 
قال أبو عبد الله بن أبي ذهل   : سمعت أبا عبد الله بن منده  يقول : لا يخرج الصحيح إلا من ينزل في الإسناد أو يكذب . يعني : أن المشايخ المتأخرين لا يبلغون في الإتقان رتبة الصحة ، فيقع في الكذب الحافظ إن خرج عنهم وسماه صحيحا ، أو يروي الحديث بنزول درجة ودرجتين . 
وقيل : كان ابن منده  إذا قيل له : فاتك سماع كذا وكذا يقول : ما فاتنا من البصرة  أكثر . 
قلت : ما دخل البصرة  ، فإنه ارتحل إليها إلى مسندها علي بن إسحاق المادرائي  ، فبلغه موته قبل وصوله إليها ، فحزن ورجع . 
ومن تصانيفه : كتاب " الإيمان " ، كتاب " التوحيد " كتاب " الصفات " ، كتاب " التاريخ " كبير جدا ، كتاب " معرفة الصحابة " كتاب " الكنى " وأشياء كثيرة . 
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر   : لابن منده  في كتاب " معرفة الصحابة " أوهام كثيرة . 
وقال أبو نعيم  في " تاريخ أصبهان   " : ابن منده  حافظ من أولاد  [ ص: 34 ] المحدثين ، اختلط في آخر عمره ، فحدث عن ابن أسيد  ، وابن أخي  أبي زرعة الرازي  ،  وابن الجارود  بعد أن سمع منه أن له عنهم إجازة ، وتخبط في أماليه ، ونسب إلى جماعة أقوالا في المعتقدات لم يعرفوا بها ، نسأل الله الستر والصيانة . 
قلت : لا نعبأ بقولك في خصمك للعداوة السائرة ، كما لا نسمع -أيضا- قوله فيك ، فلقد رأيت لابن منده  حطا مقذعا على أبي نعيم  وتبديعا ، وما لا أحب ذكره ، وكل منهما فصدوق في نفسه ، غير متهم في نقله بحمد الله . 
قال أحمد الباطرقاني   : كتب إمام دهره أبو أحمد العسال  إلى ابن منده  وهو بنيسابور  في حديث أشكل عليه ، فأجابه بإيضاحه ، وبيان علته . 
ونقل غير واحد عن أبي إسحاق بن حمزة  أنه قال : ما رأيت مثل أبي عبد الله بن منده   . 
أنبأني علي بن أحمد  وطائفة ، عن زاهر بن أحمد   : أخبرنا الحسين بن عبد الملك  قال : كتب إلي عبد الرحمن بن أبي عبد الله   : أن والده كتب عن أربعة مشايخ أربعة آلاف جزء ، وهم : أبو سعيد بن الأعرابي  ، وأبو العباس الأصم  ، وخيثمة الأطرابلسي  ، والهيثم الشاشي  ، قال : وسمعت أبي يقول : كتبت عن ألف وسبعمائة نفس .  [ ص: 35 ] 
قال  جعفر بن محمد المستغفري   : ما رأيت أحدا أحفظ من أبي عبد الله بن منده  ، سألته يوما : كم تكون سماعات الشيخ ؟ فقال : تكون خمسة آلاف من . 
قلت : يكون المن نحوا من مجلدين أو مجلدا كبيرا . 
وقال أحمد بن جعفر الحافظ   : كتبت عن أزيد من ألف شيخ ، ما فيهم أحفظ من ابن منده . 
وقال شيخ هراة  أبو إسماعيل الأنصاري  أبو عبد الله بن منده  سيد أهل زمانه . 
وأنبئونا عن زاهر الثقفي   : أخبرنا الحسين الخلال  ، أنبأنا أبو الفوارس العنبري  ، سمع أبا الحسن علي بن الحسين  الإسكاف ، سمعت أبا عبد الله بن منده  يقول : رأيت ثلاثين ألف شيخ ، فعشرة آلاف ممن أروي عنهم ، وأقتدي بهم ، وعشرة آلاف أروي عنهم ، ولا أقتدي بهم ، وعشرة آلاف من نظرائي ، وليس من الكل واحد إلا وأحفظ عنه عشرة أحاديث أقلها .  [ ص: 36 ] 
قلت : قوله : إنه كتب عن ألف وسبعمائة شيخ أصح ، وهو شيء يقبله العقل ، وناهيك به كثرة ، وقل من يبلغ ما بلغه  الطبراني  ، وشيوخه نحو من ألف ، وكذا  الحاكم  ، وابن مردويه  ، فالله أعلم . 
قال  الحاكم   : أول خروج ابن منده  إلى العراق  من عندنا سنة تسع وثلاثين ، فسمع بها وبالشام  ، وأقام بمصر  سنين ، وصنف التاريخ والشيوخ . 
وقال عبد الله بن أحمد السوذرجاني   : سمعت ابن منده  يقول : كتبت عن ألف شيخ ، لم أر فيهم أتقن من القاضي  أبي أحمد العسال   . 
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد  ، أخبرنا عبد العظيم الحافظ  ، أخبرنا علي بن المفضل  ، أخبرنا السلفي  ، أخبرنا طاهر المقدسي  ، سمعت سعد بن علي  الحافظ بمكة  وسئل عن  الدارقطني  ، وابن منده  ،  والحاكم  ، وعبد الغني  فقال : أما  الدارقطني  فأعلمهم بالعلل ، وأما ابن منده  فأكثرهم حديثا مع المعرفة التامة ، وأما  الحاكم  فأحسنهم تصنيفا ، وأما عبد الغني  فأعرفهم بالأنساب . 
قلت : بقي أبو عبد الله  في الرحلة بضعا وثلاثين سنة ، وأقام زمانا بما وراء النهر  وكان ربما عمل التجارة ، ثم رجع إلى بلده  [ ص: 37 ] وقد صار في عشر السبعين ، فولد له أربعة بنين : عبد الرحمن  ، وعبيد الله  ، وعبد الرحيم  ، وعبد الوهاب   . 
قال الحافظ يحيى بن عبد الوهاب   : كنت مع عمي عبيد الله  في طريق نيسابور  ، فلما بلغنا بئر مجنة  ، قال عمي : كنت هاهنا مرة ، فعرض لي شيخ جمال ، فقال : كنت قافلا من خراسان  مع أبي ، فلما وصلنا إلى هاهنا إذا نحن بأربعين وقرا من الأحمال ، فظننا أنها منسوج الثياب ، وإذا خيمة صغيرة فيها شيخ ، فإذا هو والدك ، فسأله بعضنا عن تلك الأحمال ، فقال : هذا متاع قل من يرغب فيه في هذا الزمان ، هذا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم . 
قال الباطرقاني   : سمعت أبا عبد الله  يقول : طفت الشرق والغرب مرتين . 
وهذه حكاية نكتبها للتعجب : قال الحسين بن عبد الملك   : حكي لي عن أبي جعفر الهمذاني  رئيس حجاج خراسان  قال : سألت بعض خدم تربة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان من أبناء مائة وعشرين سنة ، قال : رأيت يوما رجلا عليه ثياب بيض دخل الحرم  وقت الظهر ، فانشق حائط التربة ، فدخل فيها وبيده محبرة وكاغد وقلم ، فمكث ما شاء الله ، ثم انشق ، فخرج ، فأخذت بذيله ، فقلت : بحق معبودك من  [ ص: 38 ] أنت ؟ قال : أنا أبو عبد الله بن منده  ، أشكل علي حديث ، فجئت ، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجابني . وأرجع . 
إسنادها منقطع . 
وقد روى أبو العباس أحمد بن محمد بن زكريا النسوي  في " تاريخ الصوفية   " ، عن رجل ، عن ابن منده  وهو بعد حي . 
قال الباطرقاني   : وكنت مع أبي عبد الله  في الليلة التي توفي فيها ، ففي آخر نفسه قال واحد منا : لا إله إلا الله -يريد تلقينه- فأشار بيده إليه دفعتين ثلاثة . أي : اسكت يقال لي مثل هذا ؟ ! . 
روى يحيى بن منده  في " تاريخه " ، عن أبيه وعمه : أن أبا عبد الله  قال : ما افتصدت قط ، ولا شربت دواء قط ، وما قبلت من أحد شيئا قط . 
قال يحيى   : وذكر لي عمي عبيد الله  قال : قفلت من خراسان  ومعي عشرون وقرا من الكتب ، فنزلت عند هذا البئر -يعني : بئر مجنة   - فنزلت عنده اقتداء بالوالد . 
قال أبو نعيم  وغيره : مات ابن منده  في سلخ ذي القعدة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة . 
وقد أفردت تأليفا بابن منده  وأقاربه .  [ ص: 39 ] 
وما علمت بيتا في الرواة مثل بيت بني منده ؛  بقيت الرواية فيهم من خلافة المعتصم  وإلى بعد الثلاثين وستمائة ، وقد ذكرنا أن والد أبي عبد الله  الشيخ أبا يعقوب  مات في سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة ، يروي عن أبي بكر بن أبي عاصم  ، وجماعة . 
وآخر من روى عن أبي عبد الله  ولده عبد الوهاب  ، عمر زمانا ، ومات سنة خمس وسبعين وأربعمائة . 
قال أبو بكر الخطيب  في كتاب " السابق " : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي  ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان الأصبهاني  إجازة ، حدثني محمد بن إسحاق الجوال  ، حدثنا أحمد بن إسحاق الصبغي  ، حدثنا يعقوب القزويني  ، حدثنا سعيد بن يحيى الأصبهاني  ، حدثنا سعير بن الخمس  ، عن أبي إسحاق  ، عن أبي الأحوص  ، عن عبد الله  قال : من أحب أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن  . 
قال يحيى بن منده   : وأم أولاد أبي عبد الله  هي أسماء بنت أبي سعد محمد بن عبد الله الشيباني  ، ولها بنتان من أبي منصور ، الأصبهاني   .  [ ص: 40 ] 
قلت : النواحي التي لم يرحل إليها أبو عبد الله   : هراة  وسجستان  وكرمان  وجرجان  والري  وقزوين  واليمن  وغير ذلك والبصرة  ، ورحل إلى خراسان  وما وراء النهر  والعراق  والحجاز  ومصر  والشام   . 
قال  أبو القاسم عبد الرحمن بن منده   : سمعت أحمد بن الجهم المستملي  يقول لجليس له بحضرتي : سألت أباه حين ولد له عبد الرحمن   : أهذا الحديث في العقيقة صحيح ؟ فكأنه فهم المعنى ، فقال : حتى يولد الآخر ، فإني رأيت جدي في المنام ، وأشار إلي بأربع . 
أنبأنا الثقة عن مثله ، عن يحيى بن منده  قال : سمعت عمي عبد  [ ص: 41 ] الرحمن  ، سمعت محمد بن عبيد الله الطبراني  يقول : قمت يوما في مجلس والدك -رحمه الله- ، فقلت : أيها الشيخ ، فينا جماعة ممن يدخل على هذا المشئوم -أعني : أبا نعيم الأشعري   - فقال : أخرجوهم . فأخرجنا من المجلس فلانا وفلانا ، ثم قال : على الداخل عليهم حرج أن يدخل مجلسنا ، أو يسمع منا ، أو يروي عنا ، فإن فعل فليس هو منا في حل . 
قلت : ربما آل الأمر بالمعروف بصاحبه إلى الغضب والحدة ، فيقع في الهجران المحرم ، وربما أفضى إلى التفكير والسعي في الدم ، وقد كان أبو عبد الله  وافر الجاه والحرمة إلى الغاية ببلده ، وشغب على أحمد بن عبد الله  الحافظ بحيث إن أحمد  اختفى . 
ولأبي عبد الله  كتاب كبير في الإيمان في مجلد ، وكتاب في النفس والروح ، وكتاب في الرد على اللفظية . 
وإذا روى الحديث وسكت ، أجاد ، وإذا بوب أو تكلم من عنده ، انحرف ، وحرفش بلى ذنبه وذنب أبي نعيم  أنهما يرويان الأحاديث الساقطة والموضوعة ، ولا يهتكانها ، فنسأل الله العفو . 
وقد سمعت جملة من حديث أبي عبد الله  بإجازة ، ولم يقع لي شيء متصلا ، وكان القاضي نجم الدين بن حمدان  آخر من روى حديثا عاليا . 
أخبرنا أبو زكريا يحيى بن أبي منصور  الفقيه في كتابه سنة أربع  [ ص: 42 ] وسبعين وستمائة ، أخبرنا عبد القادر بن عبد الله  الحافظ بحران  سنة خمس وستمائة ، أخبرنا مسعود بن الحسن  ، أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن منده  ، أخبرنا والدي ، أخبرنا الهيثم بن كليب  ، حدثنا عيسى بن أحمد  ، حدثنا ابن وهب  ، أخبرني  ابن جريج  ، عن أيوب بن هانئ  ، عن مسروق  ، عن عبد الله   : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يوما وخرجت معه حتى انتهينا إلى المقابر ، فأمرنا ، فجلسنا ، ثم تخطى القبور حتى انتهينا إلى قبر منها ، فجلس إليه ، فناجاه طويلا ، ثم ارتفع نحيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باكيا ، فبكينا لبكائه ، ثم أقبل إلينا ، فتلقاه عمر  ، فقال : يا نبي الله ، ما الذي أبكاك ؟ فقد أبكانا وأفزعنا . فأخذ بيد عمر  ، ثم أومأ إلينا ، فأتيناه ، فقال : " أفزعكم بكائي ؟ قلنا : نعم . قال : إن القبر الذي رأيتموني عنده إنما هو قبر آمنة بنت وهب  ، وإني استأذنت ربي في الاستغفار لها ، فلم يأذن لي ، ونزل علي : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين  الآيتين ، فأخذني ما يأخذ الولد لوالده من الرقة ، فذاك الذي أبكاني ، إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ، فإنه يزهد في الدنيا ويذكر الآخرة  . 
هذا من غرائب الحديث ، أخرجه ابن ماجه  عن الثقة عن  [ ص: 43 ] ابن وهب  مختصرا ، وأيوب  هذا كوفي ضعفه  يحيى بن معين   . 
				
						
						
