الفقيه نصر 
الشيخ الإمام العلامة القدوة المحدث ، مفيد الشام  ، شيخ الإسلام أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود النابلسي المقدسي الفقيه الشافعي ، صاحب التصانيف والأمالي . 
ولد قبل سنة عشر وأربعمائة وارتحل إلى دمشق  قبل الثلاثين ، فسمع " صحيح "  البخاري  من أبي الحسن بن السمسار  ، صاحب الفقيه  أبي زيد المروزي  ، وسمع من عبد الرحمن بن الطبيز وأبي الحسن محمد  [ ص: 137 ] بن عوف المزني  ، وابن سلوان المازني  ، وطبقتهم ، وسمع من هبة الله بن سليمان  ، وغيره ، وبصور  من الفقيه سليم الرازي  ، وبغزة  من محمد بن جعفر الميماسي  ، سمع منه " الموطأ " ، وبالقدس  من أبي القاسم عمر بن أحمد الواسطي  ، وأبي العزائم محمد بن محمد بن الغراء البصري  ، وأبي الفرج عبيد الله بن محمد المراغي النحوي  ، وأبي بكر محمد بن الحسن البشنوي الصوفي  ، وعدة ، وبميافارقين  من أبي الطيب سلامة بن إسحاق الآمدي  ، وسمع أيضا من أبي علي الأهوازي المقرئ  ، ومن عبد الوهاب بن الحسن بن برهان الغزال  ، لقيه بصور  ، وأجاز له من مكة  أبو ذر عبد بن أحمد الهروي  ، ومن بغداد   القاضي أبو الطيب  ، ومن صيدا  الحسن بن محمد بن أحمد بن جميع  وطائفة . 
وصنف كتاب " الحجة على تارك المحجة " وأملى مجالس  [ ص: 138 ] خمسة ، وبرع في المذهب . 
تفقه على الدارمي  ، وعلى الفقيه سليم  وغيرهما ، واستوطن بيت المقدس  مدة طويلة ، ثم تحول في أواخر عمره ، وسكن دمشق  عشر سنين ، وتخرج به الأصحاب . 
حدث عنه : الخطيب  وهو من شيوخه ، ومكي الرميلي ومحمد بن طاهر  ، وأبو القاسم النسيب  ، وجمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلم  ، والقاضي المنتجب يحيى بن علي القرشي  ، وأبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي  ، وعلي بن أحمد بن مقاتل  ، وحسان بن تميم  ، ومعالي بن الحبوبي  ، وأبو يعلى حمزة بن الحبوبي  ، وحمزة بن أحمد بن كروس  ،  والقاضي أبو بكر بن العربي  ، وخلق كثير . 
 [ ص: 139 ] ولحقه  أبو حامد الغزالي  ، وتفقه به ، وناظره ، وكان يشغل في جامع دمشق  في الزاوية الغربية الملقبة بالغزالية . 
قال  الحافظ أبو القاسم بن عساكر   : قدم دمشق  سنة ثمانين وأربعمائة ، فأقام بها يدرس المذهب إلى أن مات ، ويروي الحديث ، وكان فقيها ، إماما ، زاهدا ، عاملا ، لم يقبل صلة من أحد بدمشق  ، بل كان يقتات من غلة تحمل إليه من أرض نابلس  ، فيخبز له كل يوم قرصة في جانب الكانون . حكى لنا ناصر النجار   - وكان يخدمه - من زهده وتقلله وتركه الشهوات أشياء عجيبة . 
قال غيث بن علي الأرمنازي   : سمعت الفقيه نصرا  يقول : درست على الفقيه سليم الرازي  من سنة سبع وثلاثين وأربعمائة إلى سنة أربعين ، ما فاتني منها درس ، ولا وجعت إلا يوما واحدا ، وعوفيت . وسألته في كم التعليقة التي صنفها ؟ قال : في نحو ثلاث مائة جزء ، ما كتبت منها حرفا إلا وأنا على وضوء ، أو كما قال . 
قال : وسمعت من يحكي أن الملك تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان  زار الفقيه نصرا  يوما ، فلم يقم له ، ولا التفت إليه ، وكذا ابنه الملك دقاق  ، فسأله عن أحل الأموال التي يتصرف فيها السلطان ، قال : أحلها أموال الجزية ، فقام من عنده ، وأرسل إليه بمبلغ ، وقال : هذا من الجزية ، ففرقه على الأصحاب ، فلم يقبله ، وقال : لا حاجة بنا إليه ، فلما ذهب الرسول .  [ ص: 140 ] لامه الفقيه نصر المصيصي  ، وقال : قد علمت حاجتنا إليه ، فقال : لا تجزع من فواته ، فسوف يأتيك من الدنيا ما يكفيك فيما بعد ، فكان كما تفرس فيه . 
قال  الحافظ ابن عساكر   : كان رحمه الله على طريقة واحدة من الزهد والتنزه عن الدنيا والتقشف ، حكى لي بعض أهل العلم قال : صحبت إمام الحرمين  بخراسان  ، والشيخ أبا إسحاق  ببغداد  ، فكان طريقه عندي أفضل من طريقة إمام الحرمين  ، ثم قدمت الشام  ، فرأيت الفقيه أبا الفتح  ، فكانت طريقته أحسن من طريقتيهما . 
قلت : كان الفقيه نصر  يعرف أيضا بابن أبي حائط  ، ألف كتاب " الانتخاب الدمشقي " في بضعة عشر مجلدا ، وله كتاب " التهذيب " في المذهب ، في عشرة أسفار ، وله كتاب " الكافي " في المذهب ، مجلد ، ما فيه أقوال ولا وجوه . وعاش نيفا وثمانين سنة ، رحمه الله ، ودفن بمقبرة باب الصغير . قال الحافظ أبو القاسم   : توفي في المحرم سنة تسعين وأربعمائة . 
قلت : في مجالسه غلطات ، وأحاديث واهية . 
قرأت على أبي المحاسن محمد بن هاشم بن عبد القاهر بن عقيل العباسي  ببستانه ، أخبرنا الفضل بن عقيل بن عثمان العباسي  المعدل في سنة  [ ص: 141 ] خمس وعشرين وست مائة ، أخبرنا أبو الندى حسان بن تميم الزيات  سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ، أخبرنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم الفقيه  ، أخبرنا سليم بن أيوب  ، أخبرنا القاضي محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي  ، أخبرنا  إسماعيل بن محمد الصفار  ، حدثنا  أحمد بن منصور الرمادي  ، حدثنا  عبد الرزاق بن همام  ، أخبرنا معمر  ، عن الزهري  ، أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة  ، عن  حارثة بن النعمان  قال : مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه جبريل  جالس بالمقاعد ، فسلمت عليه ، واجتزت ، فلما رجعت ، وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لي : هل رأيت الذي كان معي ؟ قلت : نعم ، قال : فإنه جبريل  ، وقد رد عليك السلام  . 
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران  بنابلس  ، أخبرنا أحمد بن الخضر  ، أخبرنا حمزة بن أحمد بن فارس  ، أخبرنا نصر بن إبراهيم الزاهد  ، حدثنا عبدوس بن عمر التنيسي  ، أخبرنا أبو الفتح الفرغاني  ، أخبرنا علي بن عبد الله الصوفي  ، حدثنا  محمد بن الحسن المقرئ  ، سمعت يوسف بن الحسين  ، سمعت ذا النون  يقول : كان العلماء يتواعظون بثلاث ، ويكتب بعضهم إلى بعض : من أحسن سريرته ، أحسن الله علانيته ، ومن أصلح ما بينه وبين الله ، أصلح الله ما بينه وبين الناس ، ومن أصلح أمر آخرته ، أصلح الله أمر دنياه . 
 [ ص: 142 ] حكى الفقيه نصر  عن شيخه نصر  أنه قبل موته بلحظة سمعه وهو يقول : يا سيدي أمهلوني ، أنا مأمور وأنتم مأمورون ، ثم سمعت المؤذن بالعصر ، فقلت : يا سيدي المؤذن يؤذن ، فقال : أجلسني ، فأجلسته ، فأحرم بالصلاة ، ووضع يده على الأخرى وصلى ، ثم توفي من ساعته ، رحمه الله . 
أرخ  ابن عساكر  وفاة الفقيه نصر  في يوم عاشوراء سنة تسعين فقال من شيعه : لم يمكنا دفنه إلى قريب المغرب ، لأن الخلق حالوا بيننا وبينه ، ولم نر جنازة مثلها ، وأقمنا على قبره سبع ليال . 
قلت : وفيها مات شيخ المالكية أبو يعلى أحمد بن محمد بن الحسن العبدي البصري ابن الصواف  عن تسعين سنة ، وله تصانيف جمة . 
ومسند أصبهان  أبو نصر عبد الرحمن بن محمد السمسار  خاتمة من روى عن أبي عبد الله الجرجاني   . 
وشيخ همذان  أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن محمد بن عبدوس  عن خمس وتسعين سنة . 
وشيخ القراء ببغداد  أبو القاسم يحيى بن أحمد السيبي  تلا على الحمامي  ، وعمر مائة وسنتين . 
 [ ص: 143 ] حكى الفقيه نصر الله المصيصي  ، عن الفقيه نصر  قال : أدركت القضاعي  ، ولو أردت أن أسمع منه لفعلت ، ولكني تورعت لأجل أنه كان يترسل للمصريين ، ثم احتجت في التخريج ، فرويت عنه بالإجازة . 
قال نصر الله   : أول ما تفقه الفقيه نصر  بالقدس  ، ثم سار إلى ديار بكر  ، ورأى الكازروني  ، ثم لقي سليما   . 
إلى أن قال : وكان أبوه فاميا وكان الفقيه ربعة ، إلا أنه لم يبق منه غير اللحم والعظم ، وكان في القدس  يعمل الدعوات لتلاميذه ، وينفق عليهم شيئا كثيرا من وقف كان عليهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					