وروى الواقدي  بإسناده قال : لما جاء نعي معاوية  إلى المدينة  كان بها الحسين   وابن الحنفية  وابن الزبير  ، وكان ابن عباس  بمكة  ، فخرج الحسين   [ ص: 118 ] وابن الزبير  إلى مكة  ، وأقام  ابن الحنفية  ، فلما سمع بدنو جيش مسرف  زمن الحرة رحل إلى مكة  ، وأقام مع ابن عباس  ، فلما مات يزيد  بويع ابن الزبير  ، فدعاهما إلى بيعته ، فقالا : لا حتى تجتمع لك البلاد . فكان مرة يكاشرهما ومرة يلين لهما ، ثم غلظ عليهما ، ووقع بينهم حتى خافاه ، ومعهما النساء والذرية ، فأساء جوارهم وحصرهم ، وقصد محمدا  ، فأظهر شتمه وعيبه ، وأمرهم وبني هاشم  أن يلزموا شعبهم ، وجعل عليهم الرقباء ، وقال فيما يقول : والله لتبايعن أو لأحرقنكم , فخافوا . 
قال سليم أبو عامر   : فرأيت  ابن الحنفية  محبوسا في زمزم ، والناس يمنعون من الدخول عليه ، فقلت : والله لأدخلن عليه ، فقلت : ما بالك وهذا الرجل؟ قال : دعاني إلى البيعة فقلت : إنما أنا من المسلمين ، فإذا اجتمعوا عليك فأنا كأحدهم ، فلم يرض بهذا مني ، فاذهب إلى ابن عباس  فسلم عليه وقل : ما ترى؟ 
قال : فدخلت على ابن عباس  وهو ذاهب البصر فقال : من أنت؟ قلت : أنصاري . قال : رب أنصاري هو أشد علينا من عدونا . قلت : لا تخف ، أنا ممن لك كله ، قال : هات ، فأخبرته ، فقال : قل له : لا تطعه ولا نعمة عين إلا ما قلت ، ولا تزده عليه . فأبلغته . 
فهم  ابن الحنفية  أن يسير إلى الكوفة  ، وبلغ ذلك المختار  ، فثقل عليه قدومه فقال : إن في المهدي  علامة يقدم بلدكم هذا ، فيضربه رجل في السوق بالسيف لا يضره ولا يحيك فيه . 
فبلغ ذلك  ابن الحنفية  فأقام . فقيل له : لو بعثت إلى شيعتك بالكوفة  فأعلمتهم ما أنت فيه . فبعث أبا الطفيل  إلى شيعتهم ، فقال لهم : إنا لا نأمن ابن الزبير  على هؤلاء ، وأخبرهم بما هم فيه من الخوف ، فقطع المختار  بعثا إلى مكة  ، فانتدب معه أربعة آلاف ، فعقد لأبي عبد الله الجدلي  عليهم ،  [ ص: 119 ] وقال له : سر ; فإن وجدت بني هاشم  في حياة ، فكن لهم عضدا وانفذ لما أمروك به ، وإن وجدت ابن الزبير  قد قتلهم ، فاعترض أهل مكة   حتى تصل إلى ابن الزبير  ، ثم لا تدع لآل الزبير  شعرا ولا ظفرا . وقال : يا شرطة الله ، لقد أكرمكم الله بهذا المسير ، ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمر . 
وساروا حتى أشرفوا على مكة  ، فجاء المستغيث : عجلوا فما أراكم تدركونهم . فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية بن سعد  العوفي حتى دخلوا مكة  ، فكبروا تكبيرة سمعها ابن الزبير  ، فهرب إلى دار الندوة ، ويقال : تعلق بأستار الكعبة وقال : أنا عائذ الله . قال عطية   : ثم ملنا إلى ابن عباس   وابن الحنفية  وأصحابهما في دور قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى ساوى الجدر ، لو أن نارا تقع فيه ما رئي منهم أحد . فأخرناه عن الأبواب وعجل  علي بن عبد الله بن عباس  وهو يومئذ رجل ، فأسرع في الحطب ليخرج فأدماه . 
وأقبل أصحاب ابن الزبير  ، فكنا صفين ، نحن وهم في المسجد نهارنا لا ننصرف إلى صلاة حتى أصبحنا ، وقدم الجدلي في الجيش ، فقلنا لابن عباس   وابن الحنفية   : ذرونا نرح الناس من ابن الزبير  ، فقالا : هذا بلد حرمه الله ، ما أحله لأحد إلا لنبيه ساعة ، فامنعونا وأجيرونا . قال : فتحملوا وإن مناديا لينادي في الجبل : ما غنمت سرية بعد نبيها ، ما غنمت هذه السرية . إن السرية تغنم الذهب والفضة ، وإنما غنمتم دماءنا . فخرجوا بهم ، فأنزلوهم منى  ، فأقاموا مدة ، ثم خرجوا إلى الطائف  ، وبها توفي ابن عباس  ، وصلى عليه محمد  ، فبقينا معه . فلما كان الحج ، وافى محمد  بأصحابه فوقف ، ووقف نجدة بن عامر الحنفي  في الخوارج  ناحية ، وحجت بنو أمية  على لواء ، فوقفوا بعرفة   . 
 [ ص: 120 ] وعن محمد بن جبير  أن الذي أقام الحج ابن الزبير  ، وحج  ابن الحنفية  في الخشبية أربعة آلاف نزلوا في الشعب الأيسر من منى  ، فخفت الفتنة ، فجئت  ابن الحنفية  ، فقلت : يا أبا القاسم  اتق الله ; فإنا في مشعر حرام ، في بلد حرام ، والناس وفد الله ، فلا تفسد عليهم حجهم ، فقال : والله ما أريد ذلك ، ولكني أدفع عن نفسي ، وما أطلب هذا الأمر إلا أن لا يختلف علي فيه اثنان ، فائت ابن الزبير  وكلمه ، وعليك بنجدة ، فكلمه . فجئت ابن الزبير  فقال : أنا أرجع ! قد اجتمع علي وبايعني الناس ، وهؤلاء أهل خلاف . قلت : إن خيرا لك الكف . قال : أفعل . ثم جئت نجدة الحروري  ، فأجده في أصحابه وعكرمة  عنده . فقلت : استأذن لي عليه . قال : فدخل فلم ينشب أن أذن لي ، فدخلت ، فعظمت عليه وكلمته ، فقال : أما أن أبتدئ أحدا بقتال ، فلا . 
قلت : إني رأيت الرجلين لا يريدان قتالك . ثم جئت شيعة بني أمية  ، فكلمتهم ، فقالوا : لا نقاتل ، فلم أر في تلك الألوية أسكن من أصحاب  ابن الحنفية   . ووقفت تلك العشية إلى جنبه ، فلما غابت الشمس ، التفت إلي ، فقال : يا أبا سعيد  ادفع ، فدفعت معه ، فكان أول من دفع . 
قال خليفة :  في سنة خمس وستين دعا ابن الزبير   ابن الحنفية  إلى بيعته ، فأبى ، فحصره في شعب بني هاشم  وتوعدهم ، حتى بعث المختار أبا عبد الله الجدلي  إلى  ابن الحنفية  في أربعة آلاف سنة ست ، فأقاموا معه حتى قتل المختار  في رمضان سنة سبع وستين . 
 [ ص: 121 ] الواقدي  حدثني جعفر بن محمد الزبيري  ، عن عثمان بن عروة  ، عن أبيه . وحدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة  وغيره ، قالوا : كان المختار أشد شيء على ابن الزبير  ، وجعل يلقي إلى الناس أن ابن الزبير  كان يطلب هذا الأمر  لابن الحنفية  ثم ظلمه ، وجعل يعظم  ابن الحنفية  ويدعو إليه فيبايعونه سرا ، فشك قوم وقالوا : أعطينا هذا عهودنا أن زعم أنه رسول  ابن الحنفية  وهو بمكة  ليس منا ببعيد . 
فشخص إليه قوم فأعلموه أمر المختار  ، فقال : نحن قوم -حيث ترون- محبوسون وما أحب أن لي سلطان الدنيا بقتل مؤمن ، ولوددت أن الله انتصر لنا بمن يشاء ، فاحذروا الكذابين ، قال : وكتب المختار  كتابا على لسان  ابن الحنفية  إلى  إبراهيم بن الأشتر  وجاءه يستأذن -وقيل : المختار  أمين آل محمد  ورسولهم - فأذن له ورحب به ، فتكلم المختار   -وكان مفوها- ثم قال : إنكم أهل بيت قد أكرمكم الله بنصرة آل محمد  وقد ركب منهم ما قد علمت ، وقد كتب إليك المهدي  كتابا وهؤلاء الشهود عليه فقالوا : نشهد أن هذا كتابه ورأيناه حين دفعه إليه . فقرأه إبراهيم  ، ثم قال : أنا أول من يجيب ، قد أمرنا بطاعتك ومؤازرتك ، فقل ما بدا لك . ثم كان يركب إليه في كل يوم ، فزرع ذلك في الصدور . 
وبلغ ذلك ابن الزبير  ، فتنكر  لابن الحنفية  ، وجعل أمر المختار  يغلظ ، وتتبع قتلة الحسين  فقتلهم ، وجهز ابن الأشتر  في عشرين ألفا إلى عبيد الله بن زياد  ، فظفر به ابن الأشتر  ، وبعث برأسه إلى المختار  ، فبعث به إلى  ابن الحنفية   وعلي بن الحسين  ، فدعت بنو هاشم  للمختار  ، وكان  ابن الحنفية  لا يحب كثيرا مما يأتي به ، وكتب المختار   [ ص: 122 ] إليه : لمحمد المهدي  من المختار  الطالب بثأر آل محمد   . 
أبو غسان النهدي   : حدثنا عمر بن زياد  ، عن الأسود بن قيس  ، قال : لقيت رجلا من عنزة  فقال : انتهيت إلى ابن الحنفية ، فقلت : السلام عليك يا مهدي ،  قال : وعليك السلام . قلت : إن لي حاجة . فلما قام ، دخلت معه ، فقلت : ما زال بنا الشين في حبكم حتى ضربت عليه الأعناق ، وشردنا في البلاد وأوذينا ، ولقد كانت تبلغنا عنك أحاديث من وراء وراء ، فأحببت أن أشافهك . فقال : إياكم وهذه الأحاديث ، وعليكم بكتاب الله ; فإنه به هدي أولكم ، وبه يهدى آخركم ، ولئن أوذيتم ، لقد أوذي من كان خيرا منكم ، ولأمر آل محمد  أبين من طلوع الشمس  . 
ابن عيينة   : حدثنا أبو الجحاف   -شيعي - عن رجل من أهل البصرة   قال : أتيت ابن الحنفية حين خرج المختار  فقلت : إن هذا خرج عندنا يدعو إليكم ، فإن كان عن أمركم اتبعناه . قال : سآمرك بما أمرت به ابني هذا ، إنا أهل بيت لا نبتز هذه الأمة أمرها ، ولا نأتيها من غير وجهها ، وإن عليا  كان يرى أنه له ، ولكن لم يقاتل حتى جرت له بيعة  . 
ابن عيينة   : عن ليث  ، عن منذر الثوري  ، عن محمد بن علي   : سمعت  أبا هريرة  يقول : لا حرج إلا في دم امرئ مسلم . فقلت : يطعن على أبيك . قال : لا ، بايعه أولو الأمر ، فنكث ناكث فقاتله ، وإن ابن الزبير  يحسدني على مكاني ، ود أني ألحد في الحرم كما ألحد  . 
 [ ص: 123 ] الثوري   : عن الحارث الأزدي  ، قال : قال  ابن الحنفية   : رحم الله امرأ أغنى نفسه ، وكف يده ، وأمسك لسانه ، وجلس في بيته ، له ما احتسب ، وهو مع من أحب ، ألا إن أعمال بني أمية  أسرع فيهم من سيوف المسلمين ، ألا إن لأهل الحق دولة يأتي بها الله إذا شاء ، فمن أدرك ذلك كان عندنا في السهم الأعلى ، ومن يمت فما عند الله خير وأبقى  . 
أبو عوانة   : حدثنا أبو جمرة  قال : كانوا يقولون لابن الحنفية : سلام عليك يا مهدي ،  فقال : أجل أنا مهدي ،  أهدي إلى الرشد والخير ، اسمي محمد ، فقولوا : سلام عليك يا محمد  أو يا أبا القاسم   . 
روى الربيع بن منذر الثوري  ، عن أبيه ، قال : قال  محمد بن الحنفية   : لوددت أني فديت شيعتنا هؤلاء ببعض دمي . ثم قال : بحديثهم الكذب ، وإذاعتهم السر حتى لو كانت أم أحدهم ، لأغرى بها حتى تقتل  . 
قال ابن سعد  قتل المختار  في سنة ثمان وستين ، وفي سنة تسع بعث ابن الزبير  أخاه عروة  إلى  محمد بن الحنفية  يقول : إني غير تاركك أبدا حتى تبايعني أو أعيدك في الحبس ، وقد قتل الله الكذاب الذي كنت تدعي نصرته ، وأجمع أهل العراق   علي ، فبايع . 
فقال : يا عروة  ، ما أسرع أخاك إلى قطع الرحم والاستخفاف بالحق ، وما أغفله عن تعجيل عقوبة الله ، ما يشك أخوك في الخلود ، ووالله ما بعث المختار  داعيا ولا ناصرا . ولهو  [ ص: 124 ] كان أشد إليه انقطاعا منه إلينا ، فإن كان كذابا فطالما قربه على كذبه ، وإن كان غير ذلك فهو أعلم به ، وما عندي خلاف ما أقمت في جواره ، ولو كان ، لخرجت إلى من يدعوني ، ولكن هاهنا لأخيك قرن -وكلاهما يقاتلان على الدنيا- عبد الملك  ، فلكأنك بجيوشه قد أحاطت برقبة أخيك ، وإني لأحسب أن جواره خير من جواركم ، ولقد كتب إلي يعرض علي ما قبله ويدعوني إليه . قال عروة   : فما يمنعك؟ قال : أستخير الله ، وذلك أحب إلي من صاحبك . فقال بعض أصحاب  ابن الحنفية   : والله لو أطعتنا ، لضربنا عنقه ، فقال : وعلى ماذا؟ رجل جاء برسالة من أخيه ، وأنتم تعلمون أن رأيي لو اجتمع الناس علي سوى إنسان لما قاتلته ، فانصرف عروة  ، وأخبر أخاه ، وقال : ما أرى لك أن تعرض له ، دعه ، فليخرج عنك ; فعبد الملك  أمامه لا يتركه يحل بالشام حتى يبايعه ، وهو فلا يبايعه أبدا حتى يجمع عليه الناس . 
أبو عوانة   : عن  أبي جمرة  ، قال : سرنا مع  ابن الحنفية  من الطائف  إلى أيلة  بعد موت ابن عباس  ، وكان عبد الملك  قد كتب له على أن يدخل في أرضه هو وأصحابه حتى يتفق الناس على رجل واحد ، فإذا اصطلحوا على رجل بعهد الله وميثاقه -في كلام طويل- فلما قدم محمد  الشام  ، كتب إليه عبد الملك   : إما أن تبايعني ، وإما أن تخرج من أرضي -ونحن يومئذ سبعة آلاف- فبعث إليه : على أن تؤمن أصحابي ، ففعل ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : الله ولي الأمور كلها وحاكمها ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، والذي نفس محمد  بيده ليعودن فيهم الأمر كما بدأ ، الحمد لله الذي حقن دماءكم ، وأحرز دينكم ، من أحب منكم أن يأتي مأمنه إلى بلده  [ ص: 125 ] آمنا محفوظا فليفعل ، كل ما هو آت قريب ، عجلتم بالأمر قبل نزوله ، والذي نفسي بيده إن في أصلابكم لمن يقاتل مع آل محمد  ، ما يخفى على أهل الشرك أمر آل محمد  ، أمر آل محمد  مستأخر . قال : فبقي في تسع مائة ، فأحرم بعمرة وقلد هديا . فلما أردنا أن ندخل الحرم  ، تلقتنا خيل ابن الزبير  ، فمنعتنا أن ندخل ، فأرسل إليه محمد   : لقد خرجت وما أريد قتالا ، ورجعت كذلك ، دعنا ندخل ، فلنقض نسكنا ثم لنخرج عنك . فأبى ، قال : ومعنا البدن مقلدة فرجعنا إلى المدينة  ، فكنا بها حتى قدم الحجاج  ، وقتل ابن الزبير  ، ثم سار إلى العراق  ، فلما سار مضينا فقضينا نسكنا ، وقد رأيت القمل يتناثر من  ابن الحنفية  ، قال : ثم رجعنا إلى المدينة  فمكث ثلاثة أشهر ثم توفي . إسنادها ثابت . 
الواقدي   : حدثنا موسى بن عبيدة  ، عن زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب  ، قال : وفدت مع أبان  على عبد الملك  وعنده  ابن الحنفية  ، فدعا عبد الملك  بسيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعا بصيقل فنظر فقال : ما رأيت حديدة قط أجود منها ، قال عبد الملك   : ولا والله ما رأى الناس مثل صاحبها ، يا محمد  ، هب لي هذا السيف . قال محمد   : أينا أحق به فليأخذه . قال عبد الملك   : إن كان لك قرابة فلكل قرابة . فأعطاه محمد  إياه ثم قال : يا أمير المؤمنين إن هذا -وأشار إلى الحجاج   - قد استخف بي وآذاني ، ولو كانت خمسة دراهم أرسل إلي فيها . قال : لا إمرة له عليك . فلما ولى محمد  ، قال عبد الملك   للحجاج   : أدركه فسل سخيمته . فأدركه فقال : إن أمير المؤمنين قد أرسلني إليك لأسل سخيمتك ، ولا مرحبا بشيء ساءك ، قال : ويحك يا حجاج  اتق الله واحذره ، ما من صباح إلا ولله في كل عبد من  [ ص: 126 ] عباده ثلاث مائة وستون لحظة ، إن أخذ ، أخذ بمقدرة ، وإن عفا ، عفا بحلم ، فاحذر الله . فقال : لا تسألني شيئا إلا أعطيتكه ، قال : وتفعل؟ قال : نعم . 
قال : صرم الدهر . 
الثوري   : عن مغيرة  ، عن أبيه أن الحجاج  أراد أن يضع رجله على المقام ، فزجره  ابن الحنفية  ونهاه . 
إسرائيل   : حدثنا ثوير  قال : رأيت  ابن الحنفية  يخضب بالحناء والكتم  . 
وعن أبي مالك  أنه رأى  ابن الحنفية  يرمي الجمار على برذون أشهب . 
وروى الثوري  ، عن الشيباني   : رأيت على  ابن الحنفية  مطرف خز أصفر بعرفة . 
وعن رشدين بن كريب   : رأيت  ابن الحنفية  يعتم بعمامة سوداء ويرخيها شبرا أو دونه . 
وقال عبد الواحد بن أيمن   : رأيت على  ابن الحنفية  عمامة سوداء . 
وقيل  لابن الحنفية   : لم تخضب؟ قال : أتشبب به للنساء  . 
أبو نعيم   : حدثنا عبد الواحد بن أيمن  ، قال : أرسلني أبي إلى  محمد بن الحنفية  فإذا هو مكحل ، مصبوغ اللحية بحمرة ، فرجعت فقلت لأبي : بعثتني  [ ص: 127 ] إلى شيخ مخنث؟! قال : يا ابن اللخناء ذاك محمد بن علي   . 
قال ابن سعد   : أنبأنا محمد بن الصلت  ، حدثنا ربيع بن منذر  ، عن أبيه قال : كنا مع  ابن الحنفية  ، فأراد أن يتوضأ ، فنزع خفيه ، ومسح على قدميه  . 
قلت : هذا قد يتعلق به الإمامية وبظاهر الآية ، لكن غسل الرجلين شرع لازم بينه لنا الرسول -اللهم صل عليه- وقال : ويل للأعقاب من النار وعليه عمل الأمة ولا اعتبار بمن شذ . 
قال رافضي : فأنتم ترون مسح موضع ثلاث شعرات بل شعرة من الرأس يجزئ ، والنص لا يحتمل هذا ، ولا يسمى من اقتصر عليه ماسحا لرأسه عرفا ، ولا رأينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أحدا من أصحابه اجتزأ بذلك ولا جوزه . فالجواب : أن الباء للتبعيض في قوله برءوسكم  وليس هذا الموضع يحتمل تقرير هذه المسألة . 
قال الواقدي   : حدثنا عبد الله بن جعفر  ، عن صالح بن كيسان  ، عن الحسن بن محمد بن الحنفية  قال : لم يبايع أبي الحجاج  ، لما قتل ابن الزبير  بعث الحجاج  إليه أن قد قتل عدو الله ، فقال : إذا بايع الناس بايعت . 
قال : والله لأقتلنك . قال : إن لله في كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة . في كل لحظة ثلاث مائة وستون قضية فلعله أن يكفيناك في قضية من قضاياه . 
وكتب الحجاج  فيه إلى عبد الملك  بذلك ، فأعجب عبد الملك   [ ص: 128 ] قوله ، وكتب بمثلها إلى طاغية الروم  وذلك أن صاحب الروم  كتب إلى عبد الملك  يتهدده بأنه قد جمع له جموعا كثيرة . وكتب إلى الحجاج   : قد عرفنا أن محمدا  ليس عنده خلاف ، فارفق به فسيبايعك . فلما اجتمع الناس على عبد الملك  ، وبايع له ابن عمر  ، قال ابن عمر  لمحمد   : ما بقي شيء فبايع ، فكتب بالبيعة إلى عبد الملك  وهي : أما بعد ، فإني لما رأيت الأمة قد اختلفت ، اعتزلتهم . فلما أفضي الأمر إليك ، وبايعك الناس ، كنت كرجل منهم ، فقد بايعتك وبايعت الحجاج  لك ، ونحن نحب أن تؤمننا ، وتعطينا ميثاقا على الوفاء; فإن الغدر لا خير فيه . 
فكتب إليه عبد الملك   : إنك عندنا محمود ، أنت أحب إلينا وأقرب بنا رحما من ابن الزبير   ; فلك ذمة الله ورسوله أن لا تهاج ولا أحد من أصحابك بشيء . 
قال أبو نعيم الملائي   : مات  ابن الحنفية  سنة ثمانين . 
وقال الواقدي   : أنبأنا زيد بن السائب  ، قال : سألت عبد الله بن الحنفية   : أين دفن أبوك؟ قال : بالبقيع  ، سنة إحدى وثمانين في المحرم وله خمس وستون سنة . فجاء  أبان بن عثمان  والي المدينة  ليصلي عليه ، فقال أخي : ما ترى؟ فقال أبان   : أنتم أولى بجنازتكم . فقلنا : تقدم فصل ، فتقدم . 
الواقدي   : حدثنا علي بن عمر بن علي بن الحسين  ، عن  عبد الله بن محمد بن عقيل  ، سمعت  ابن الحنفية  سنة إحدى وثمانين يقول : لي خمس وستون سنة ، جاوزت سن أبي ، فمات تلك السنة . 
 [ ص: 129 ] وفيها أرخه أبو عبيد  ، وأبو حفص الفلاس   . وانفرد المدائني  ، فقال : مات سنة ثلاث وثمانين . 
				
						
						
