أبو عبد الله مردنيش 
الزاهد المجاهد أبو عبد الله ، محمد الجذامي المغربي . 
كان معه عدة رجال أبطال يغير بهم يمنة ويسرة ، وكانوا يحرثون على خيلهم كما يحرث أهل الثغر ، وكان أمير المسلمين ابن تاشفين  يمدهم بالمال والآلات ، ويبرهم . 
ولمردنيش  مغازي ومواقف مشهودة وفضائل وهو جد الملك محمد  [ ص: 233 ] بن سعد بن محمد  صاحب شرق الأندلس   . 
فمن عجيب ما صح عندي من مغازيه -يقول ذلك اليسع بن حزم   - أنه أغار يوما ، فغنم غنيمة كثيرة ، واجتمع عليه من الروم  أكثر من ألف فارس ، فقال لأصحابه وكانوا ثلاث مائة فارس : ما ترون ؟ فقالوا نشغلهم بترك الغنيمة . فقال : ألم يقل القائل : إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين  فقال له ابن مورين   : يا رئيس ، الله قال هذا . فقال : الله يقول هذا وتقعدون عن لقائهم ؟! قال : فثبتوا ، فهزموا الروم   . 
ومن غريب أمره أنه نزل ملك الروم  ابن رذمير  ، فأفسدوا الزروع ، فبعث يقول له : مثلك لا يرضى بالفساد ، ولا بد لك من الانصراف ، فأفسد في بلدك في يوم واحد ما لا تفسده في جمعة . فأمر اللعين أصحابه بالكف ، وبعث إليه يرغب في رؤيته لسمعته عندهم . 
قال ابن مورين   : فجئنا مع الرئيس ، فقدمناه ، فأكرمه ، وأجلسه إلى جنبه ، وجعل يطلع إليه ويقول بلسانه : اسمك عظيم ، وطلعتك دون اسمك ، وما شخصك بشخص فارس . وكان قصيرا ، وأراد ممازحته ، وكذا وجه إليه أمير المسلمين علي بن يوسف  ، فمضى واجتمع به ، واستناب موضعه ولده سعدا  إلى أن رجع . 
وفي سنة سبع وعشرين وخمسمائة سار ابن رذمير  ، فنازل مدينة إفراغة  وبها ابن مردنيش  ، وطال الحصار ، فكتبوا إلى أمير المسلمين ابن تاشفين  ليغيثهم ، فكتب إلى ابنه تاشفين بن علي  ، وإلى الأمير يحيى بن غانية  بإغاثتهم ، وإدخال الميرة إليهم ، فتهيأ لنجدتهم أربعة آلاف ، فما  [ ص: 234 ] وصلوا إلى إفراغة  إلا وقد فني ما بها ، ولم يبق لابن مردنيش  سوى حصان ، فذبحه لهم ، فحصل لكل واحد أوقية أوقية . 
قال اليسع   : فحدثني الملك المجاهد ابن عياض  حديث هذه الغزاة ، قال : لما وصل أبو زكريا يحيى بن غانية  مدينة زيتونة  ، خرجت إليه من لاردة مع فرساني ، فقال : أشيروا علي . فقلت : الصواب جمع جند الأندلس  تحت راية واحدة ، وهلال  وسليم  تحت راية أخرى ، ويتقدم الزبير بن عمر  بأهل المغرب   وبالدواب التي تحمل الأقوات ، معهم الطبول والرايات ، ونبقى نحن والعرب  كمينا عن يمين الجيش ويساره ، فإذا أبصر اللعين الرايات والطبول والزمر حمل عليه ، فنكر عليه من الجهتين . 
قال : فصلينا الصبح في ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة سبع وعشرين وخمسمائة ، وأبصر اللعين الجيش وقد استراح من جراحاته ، وكان عسكره إذ ذاك أربعة وعشرين ألف فارس سوى أتباعهم ، فقصدوا الطبول ، فانكسروا وتفرقوا -يعني المسلمين- فأتينا الروم  عن أيمانهم ، ونزل النصر وعمل السيف في الروم  حتى بقي ابن رذمير  في نحو أربعمائة فارس ، فلجئوا إلى حصن لهم ، وبات المسلمون عليه ، ثم هلك غما ، وأصابه مرض مات بعد خمسة عشر يوما من هزيمته -فلا رحمه الله  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					