ربيعة ( ع ) 
بن أبي عبد الرحمن فروخ ، الإمام ، مفتي المدينة ،  وعالم الوقت أبو عثمان . 
ويقال : أبو عبد الرحمن القرشي التيمي ، مولاهم المشهور بربيعة الرأي ، من موالي آل المنكدر   . 
روى عن أنس بن مالك ،   والسائب بن يزيد ،   وسعيد بن المسيب ،  والحارث بن بلال بن الحارث ،  ويزيد مولى المنبعث ،  وحنظلة بن قيس الزرقي ،   وعطاء بن يسار ،   والقاسم بن محمد ،   وسليمان بن يسار ،   وسالم بن عبد الله ،  وعبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري ،   ومحمد بن يحيى بن حبان ،   وعبد الرحمن الأعرج ،  وعدة . 
وكان من أئمة الاجتهاد . 
وعنه : يحيى بن سعيد الأنصاري ،   وسليمان التيمي ،   وسهيل بن أبي صالح ،  وهم من أقرانه . وإسماعيل بن أمية ،   والأوزاعي ،  وشعبة ،  وعقيل بن  [ ص: 90 ] خالد ،   وعمرو بن الحارث ،   ومالك  وعليه تفقه .  وسفيان الثوري ،   وحماد بن سلمة ،   وفليح بن سليمان ،   والليث بن سعد ،  ومسعر ،   وعمارة بن غزية ،  ونافع القارئ ،   وإسماعيل بن جعفر ،   وأبو بكر بن عياش ،   وابن المبارك ،   وسفيان بن عيينة ،  وأنس بن عياض الليثي ،  وخلق سواهم . 
محمد بن كثير المصيصي ،  عن ابن عيينة  قال : بكى ربيعة  يوما ، فقيل : ما يبكيك ؟ قال : رياء حاضر ، وشهوة خفية . والناس عند علمائهم كصبيان في حجور أمهاتهم ، إن أمروهم ائتمروا ، وإن نهوهم ، انتهوا ؟ ! . 
وروى ضمرة بن ربيعة ،  عن رجاء بن جميل  قال : قال ربيعة   : رأيت الرأي أهون علي من تبعة الحديث  . 
قال الأويسي   : قال مالك   : كان ربيعة  يقول  لابن شهاب   : إن حالي ليست تشبه حالك . قال : وكيف ؟ قال : أنا أقول برأي من شاء أخذه ، ومن شاء تركه ، وأنت تحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيحفظ . 
قال أبو ضمرة   : وقف ربيعة  على قوم يتذاكرون القدر ، فقال ما معناه : إن كنتم صادقين ، فلما في أيديكم أعظم مما في يدي ربكم ، إن كان الخير والشر بأيديكم . 
وقال  أحمد بن عبد الله العجلي  في تاريخه : حدثني أبي قال : قال ربيعة   : وسئل كيف استوى ؟ فقال : الكيف غير معقول ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق  . وصح عن ربيعة ،  قال : العلم وسيلة إلى كل فضيلة  . 
قال مالك   : قدم ربيعة  على أمير المؤمنين ، فأمر له بجارية ، فأبى ، فأعطاه خمسة آلاف ليشتري بها جارية ، فأبى أن يقبلها  . 
وعن ابن وهب   : أنفق ربيعة  على إخوانه أربعين ألف دينار ، ثم جعل يسأل  [ ص: 91 ] إخوانه في إخوانه . 
 النسائي   : حدثنا أحمد بن يحيى بن وزير ،  حدثنا  الشافعي ،  حدثنا سفيان   : كنا إذا رأينا طالبا للحديث يغشى ثلاثة ، ضحكنا منه ، ربيعة ،  ومحمد بن أبي بكر بن حزم ،  وجعفر بن محمد ،  لأنهم كانوا لا يتقنون الحديث . 
روى مطرف  عن ابن أخي ابن هرمز   : رأيت ربيعة ،  جلد وحلق رأسه ولحيته . قال إبراهيم بن المنذر   : كان سببه سعاية  أبي الزناد  به . 
قال مطرف   : سمعت  مالكا  يقول : ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة   . 
قلت : وكان من أوعية العلم ، وثقه  أحمد بن حنبل ،  وأبو حاتم ،  وجماعة . 
وقال أحمد : أبو الزناد  أعلم منه . 
وقال يعقوب بن شيبة   : ثقة ، ثبت ، أحد مفتي المدينة   . 
قال أبو داود   : ربيعة  وعمر مولى غفرة  ابنا خالة . 
وقال مصعب الزبيري   : كان يقال له : ربيعة الرأي ،  وكان صاحب الفتوى بالمدينة ،  وكان يجلس إليه وجوه الناس . كان يحصى في مجلسه أربعون معتما . وعنه أخذ مالك بن أنس   . 
وروى الليث  عن يحيى بن سعيد  قال : ما رأيت أحدا أفطن من ربيعة بن أبي عبد الرحمن   . 
وروى الليث  عن عبيد الله بن عمر  قال : هو صاحب معضلاتنا ، وعالمنا ، وأفضلنا . 
ابن وهب ،  عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،  قال : مكث ربيعة  دهرا طويلا عابدا ، يصلي الليل والنهار ، صاحب عبادة ، ثم نزع ذلك إلى أن جالس القوم ، قال : فجالس القاسم ،  فنطق بلب وعقل . قال : وكان القاسم  إذا سئل  [ ص: 92 ] عن شيء ، قال : سلوا هذا لربيعة ،  فإن كان في كتاب الله ، أخبرهم به القاسم ،  أو في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلا قال : سلوا ربيعة  أو سالما   . 
 الحارث بن مسكين ،  عن ابن وهب ،  عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،  قال : كان يحيى بن سعيد ،  يجالس ربيعة ،  فإذا غاب ربيعة ،  حدثهم يحيى  أحسن الحديث . وكان كثير الحديث ، فإذا حضر ربيعة ،  كف يحيى  إجلالا لربيعة ،  وليس ربيعة  أسن منه ، وهو فيما هو فيه ، وكان كل واحد منهما مبجلا لصاحبه . 
وروى معاذ بن معاذ  عن  سوار بن عبد الله العنبري ،  قال : ما رأيت أحدا أعلم من ربيعة الرأي   . قلت : ولا الحسن  وابن سيرين ؟  قال : ولا الحسن   وابن سيرين   . 
ابن وهب  عن عبد العزيز بن أبي سلمة ،  قال : لما جئت العراق  جاءني أهل العراق ،  فقالوا : حدثنا عن ربيعة الرأي ،  فقلت : يا أهل العراق ،  تقولون ربيعة الرأي ،  والله ما رأيت أحدا أحفظ لسنة منه . 
ابن وهب ،  عن عبد الرحمن بن زيد ،  قال : صار ربيعة  إلى فقه وفضل ، وما كان بالمدينة  رجل أسخى بما في يديه لصديق ، أو لابن صديق ، أو لباغ يبتغيه منه . كان يستصحبه القوم ، فيأبى صحبة أحد ، إلا أحدا لا يتزود معه ، ولم يكن في يده ما يحمل ذلك . 
ابن وهب  عن مالك ،  قال : لما قدم ربيعة  على أمير المؤمنين أبي العباس ،  أمر له بجائزة فأبى أن يقبلها . فأعطاه خمسة آلاف درهم يشتري بها جارية حين أبى أن يقبلها ، فأبى أن يقبلها . 
 [ ص: 93 ] وحدثني مالك  عن ربيعة  قال : قال لي حين أراد العراق   : إن سمعت أني حدثتهم ، أو أفتيتهم فلا تعدني شيئا . قال : فكان كما قال . لما قدمها لزم بيته ، فلم يخرج إليهم ، ولم يحدثهم بشيء حتى رجع . 
قال أحمد بن عمران   : سمعت أبا بكر بن عياش  يقول : دخلت المسجد ، فإذا ربيعة  جالس ، وقد أحدق به غلمان أهل الرأي ، فسألته : أسمعت من أنس  شيئا ؟ قال : حديثين . 
قال أبو بكر الخطيب   : كان ربيعة  فقيها ، عالما ، حافظا للفقه والحديث . قدم على السفاح  الأنبار ،  وكان أقدمه ليوليه القضاء . فيقال : إنه توفي بالأنبار ،  ويقال : بل توفي بالمدينة   . 
وقال ابن سعد   : توفي سنة ست وثلاثين ومائة بالمدينة  فيما أخبرني به الواقدي   . 
وقال  يحيى بن معين  وغيره : مات بالأنبار ،  وكان ثقة كثير الحديث ، وكانوا يتقونه لموضع الرأي . وكذا أرخه جماعة . 
قال مطرف بن عبد الله   : سمعت  مالكا  يقول : ذهبت حلاوة الفقه ، منذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن   . 
ذكر حكاية باطلة قد رويت : فأنبأنا المسلم بن محمد ،  أنبأنا الكندي ،  أنبأنا القزاز ،  أنبأنا الخطيب ،  أنبأنا أبو القاسم الأزهري ،  أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان ،  أنبأنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي  بمصر ،  حدثنا يحيى بن أبي طالب ،  حدثنا  عبد الوهاب بن عطاء الخفاف ،  حدثني مشيخة أهل المدينة   : أن فروخ  والد ربيعة ،  خرج في البعوث إلى خراسان ،  أيام بني أمية  غازيا ، وربيعة  حمل في بطن أمه ، وخلف عند زوجته أم ربيعة  ثلاثين ألف دينار ، فقدم المدينة  بعد سبع وعشرين سنة ، وهو راكب فرس ، في يده رمح ، فنزل عن فرسه ، ثم دفع الباب برمحه ، فخرج ربيعة ،  فقال : يا عدو الله ، أتهجم على منزلي ؟ فقال : لا . وقال فروخ   : يا عدو الله أنت رجل دخلت على حرمتي ،  [ ص: 94 ] فتواثبا وتلبث كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران . فبلغ مالك بن أنس  والمشيخة ، فأتوا يعينون ربيعة ،  فجعل ربيعة  يقول : والله لا فارقتك إلا عند السلطان ، وجعل فروخ  يقول كذلك ، ويقول : وأنت مع امرأتي . وكثر الضجيج ، فلما أبصروا بمالك ،  سكت الناس كلهم . فقال مالك   : أيها الشيخ : لك سعة في غير هذه الدار ، فقال الشيخ : هي داري . وأنا فروخ  مولى بني فلان . فسمعت امرأته كلامه ، فخرجت ، فقالت : هذا زوجي . 
وهذا ابني الذي خلفته ، وأنا حامل به ، فاعتنقا جميعا ، وبكيا ، فدخل فروخ  المنزل وقال : هذا ابني ؟ قالت : نعم . قال : فأخرجي المال الذي عندك . وهذه معي أربعة آلاف دينار . قالت : المال قد دفنته ، وأنا أخرجه بعد أيام . 
فخرج ربيعة  إلى المسجد ، وجلس في حلقته ، وأتاه مالك بن أنس ،  والحسن بن زيد ،  وابن أبي علي اللهبي ،  والمساحقي ،  وأشراف أهل المدينة ،  وأحدق الناس به . 
فقالت امرأته : اخرج صل في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فخرج فصلى ، فنظر إلى حلقة وافرة ، فأتاه فوقف عليه ، ففرجوا له قليلا ، ونكس ربيعة  رأسه ، يوهمه أنه لم يره ، وعليه طويلة ، فشك فيه أبو عبد الرحمن ،  فقال : من هذا الرجل ؟ قالوا له : هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن   . فقال : لقد رفع الله ابني . فرجع إلى منزله ، فقال لوالدته : لقد رأيت ولدك في حالة ، ما رأيت أحدا من أهل العلم والفقه عليها . فقالت أمه : فأيما أحب إليك : ثلاثون ألف دينار ، أو هذا الذي هو فيه من الجاه ؟ قال : لا والله إلا هذا . قالت : فإني قد أنفقت المال كله عليه ، قال : فوالله ما ضيعته . 
قلت : لو صح ذلك ، لكان يكفيه ألف دينار في السبع والعشرين سنة ، بل  [ ص: 95 ] نصفها ، فهذه مجازفة بعيدة . ثم لما كان ربيعة  ابن سبع وعشرين سنة ، كان شابا لا حلقة له ، بل الدست لمثل  سعيد بن المسيب ،   وعروة بن الزبير ،  ومشايخ ربيعة   . وكان مالك  لم يولد بعد أو هو رضيع . والطويلة : إنما أخرجها للناس المنصور  بعد موت ربيعة   . والحسن بن زيد  وإنما كبر واشتهر بعد ربيعة  بدهر . وإسنادها منقطع . ولعله قد جرى بعض ذلك . 
قرأت على أبي المعالي   : أنبأنا أحمد بن إسحاق ،  أنبأنا أبو هريرة محمد بن الليث اللبان ،  وزيد بن هبة الله البيع  ببغداد ،  قالا : أنبأنا أبو القاسم أحمد بن المبارك بن عبد الباقي بن قفرجل ،  أنبأنا عاصم بن الحسن ،  أنبأنا عبد الواحد بن محمد ،  حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي  إملاء ، حدثنا أحمد بن إسماعيل ،  حدثنا مالك ،  عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ،  عن حنظلة بن قيس الزرقي ،  أنه سأل رافع بن خديج  عن كراء الأرض فقال : نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كراء الأرض . فقلت : أبالذهب والورق ؟ قال : أما الذهب والورق ، فلا بأس به  . 
هذا حديث صحيح عال ، أخرجه مسلم  عن يحيى بن يحيى ،  وأبو داود  عن قتيبة ،  كلاهما عن مالك بن أنس   . 
قال ابن القاسم ،  عن مالك   : قدم الزهري  فأخذ بيد ربيعة ،  ودخلا المنزل ، فما خرجا إلى العصر ، وخرج ابن شهاب  يقول : ما ظننت أن بالمدينة  مثل ربيعة   . وخرج ربيعة  وهو يقول نحو ذلك . 
قال  أحمد بن صالح   : حدثنا عنبسة ،  عن يونس ،  شهدت أبا حنيفة  في  [ ص: 96 ] مجلس ربيعة ،  مجهوده أن يفهم ما يقول ربيعة   . 
مطرف بن عبد الله ،  عن ابن أخي يزيد بن هرمز ،  أن رجلا سأل ابن هرمز  عن بول الحمار . فقال : نجس . قال : فإن ربيعة  لا يرى به بأسا ، قال : لا عليك ألا تذكر هنات ربيعة ،  فلربما تكلمنا في المسألة نخالفه فيها ، ثم نرجع إلى قوله بعد سنة . 
قال مالك   : اعتممت وما في وجهي شعرة ، ولقد رأيت في مجلس ربيعة  بضعة وثلاثين معتما . 
قال عبد العزيز بن الماجشون   : والله ما رأيت أحوط لسنة من ربيعة   . 
وقال مالك   : كان ربيعة  أعجل شيء جوابا . 
				
						
						
