يا أيها النبيء قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم  ويغفر لكم والله غفور رحيم  استئناف ابتدائي ، وهو إقبال على خطاب النبيء - صلى الله عليه وسلم - بشيء يتعلق بحال سرائر بعض الأسرى ، بعد أن كان الخطاب متعلقا بالتحريض على القتال وما يتبعه ، وقد كان العباس  في جملة الأسرى وكان ظهر منه ميل إلى الإسلام . قبل خروجه إلى بدر  ، وكذلك كان  عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ،   ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب ،  وقد فدى العباس  نفسه وفدى ابني أخويه : عقيلا  ونوفلا    . وقال للنبيء - صلى الله عليه وسلم - تركتني أتكفف قريشا    . فنزلت هذه الآية في ذلك ، وهي ترغيب لهم في الإسلام في المستقبل ، ولذلك قيل لهم هذا القول قبل أن يفارقوهم . 
فمعنى من في أيديكم من في ملكتكم ووثاقكم ، فالأيدي مستعارة للملك . وجمعها باعتبار عدد المالكين . وكان الأسرى مشركين ، فإنهم ما فادوا أنفسهم إلا لقصد الرجوع إلى أهل الشرك . 
والمراد بالخير محبة الإيمان والعزم عليه ، أي : فإذا آمنتم بعد هذا الفداء يؤتكم الله خيرا مما أخذ منكم    . وليس إيتاء الخير على مجرد محبة الإيمان والميل إليه ، كما أخبر العباس  عن نفسه ، بل المراد به ما يترتب على تلك المحبة من الإسلام بقرينة قوله : ويغفر لكم ، وكذلك ليس الخير الذي في قلوبهم هو الجزم بالإيمان : لأن ذلك لم يدعوه ولا عرفوا به ، قال ابن وهب  عن مالك    : كان أسرى بدر مشركين ففادوا ورجعوا ولو كانوا مسلمين لأقاموا   . 
 [ ص: 81 ] و " ما أخذ " هو مال الفداء ، والخير منه هو الأوفر من المال بأن ييسر لهم أسباب الثروة بالعطاء من أموال الغنائم وغيرها . فقد أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العباس  بعد إسلامه من فيء البحرين    . وإنما حملنا الخير على الأفضل من المال لأن ذلك هو الأصل في التفضيل بين شيئين أن يكون تفضيلا في خصائص النوع ، ولأنه عطف عليه قوله : ويغفر لكم وذلك هو خير الآخرة المترتب على الإيمان لأن المغفرة لا تحصل إلا للمؤمن . 
والتذييل بقوله : والله غفور رحيم للإيماء إلى عظم مغفرته التي يغفر لهم ; لأنها مغفرة شديد الغفران رحيم بعباده ، فمثال المبالغة وهو " غفور " المقتضي قوة المغفرة وكثرتها ، مستعمل فيهما باعتبار كثرة المخاطبين وعظم المغفرة لكل واحد منهم . 
وقرأ الجمهور " من الأسرى " بفتح الهمزة وراء بعد السين مثل " أسرى " الأولى ، وقرأها أبو عمرو ،  وأبو جعفر  من الأسارى بضم الهمزة وألف بعد السين وراءه ، فورودهما في هذه الآية تفنن . 
				
						
						
