إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار  إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا  
استئناف بياني لقوله : ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير  لأن نفي أن يكون قعودهم عن النفير مضرا بالله ورسوله ، يثير في نفس السامع سؤالا عن   [ ص: 201 ] حصول النصر بدون نصير ، فبين بأن الله ينصره كما نصره حين كان ثاني اثنين لا جيش معه ، فالذي نصره حين كان ثاني اثنين قدير على نصره وهو في جيش عظيم ، فتبين أن تقدير قعودهم عن النفير لا يضر الله شيئا . 
والضمير المنصوب بـ ( تنصروه ) عائد إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يتقدم له ذكر ; لأنه واضح من المقام . 
وجملة فقد نصره الله  جواب للشرط ، جعلت جوابا له لأنها دليل على معنى الجواب المقدر لكونها في معنى العلة للجواب المحذوف : فإن مضمون فقد نصره الله  قد حصل في الماضي فلا يكون جوابا للشرط الموضوع للمستقبل ، فالتقدير : إن لا تنصروه فهو غني عن نصرتكم بنصر الله إياه إذ قد نصره في حين لم يكن معه إلا واحد لا يكون به نصر ، فكما نصره يومئذ ينصره حين لا تنصرونه . وسيجيء في الكلام بيان هذا النصر بقوله : فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها  الآية . 
ويتعلق " إذ أخرجه " بـ ( نصره ) أي زمن إخراج الكفار إياه ، أي من مكة ،  والمراد خروجه مهاجرا . وأسند الإخراج إلى الذين كفروا لأنهم تسببوا فيه بأن دبروا لخروجه غير مرة كما قال - تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك  ، وبأن آذوه وضايقوه في الدعوة إلى الدين ، وضايقوا المسلمين بالأذى والمقاطعة ، فتوفرت أسباب خروجه ولكنهم كانوا مع ذلك يترددون في تمكينه من الخروج خشية أن يظهر أمر الإسلام بين ظهراني قوم آخرين ، فلذلك كانوا في آخر الأمر مصممين على منعه من الخروج ، وأقاموا عليه من يرقبه وحاولوا الإرسال وراءه ليردوه إليهم ، وجعلوا لمن يظفر به جزاء جزلا ، كما جاء في حديث سراقة بن جعشم    . 
كتب في المصاحف " إلا " من قوله : إلا تنصروه  بهمزة بعدها لام ألف ، على كيفية النطق بها مدغمة ، والقياس أن تكتب ( إن لا ) - بهمزة فنون فلام ألف - لأنهما حرفان : ( إن ) الشرطية و ( لا ) النافية ، ولكن رسم المصحف سنة متبعة ، ولم تكن للرسم في القرن الأول قواعد متفق عليها ، ومثل ذلك كتب إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض   [ ص: 202 ] في سورة الأنفال . وهم كتبوا قوله : بل ران  في سورة المطففين بلام بعد الباء وراء بعدها ، ولم يكتبوها بباء وراء مشددة بعدها . 
وقد أثار رسم إلا تنصروه  بهذه الصورة في المصحف خشية توهم متوهم أن إلا هي حرف الاستثناء فقال ابن هشام  في مغني اللبيب : " تنبيه ليس من أقسام ( إلا ) ، ( إلا ) التي في نحو إلا تنصروه فقد نصره الله  وإنما هذه كلمتان ( إن ) الشرطية و ( لا ) النافية ومن العجب أن ابن مالك  على إمامته ذكرها في شرح التسهيل من أقسام إلا ولم يتبعه الدماميني  في شروحه الثلاثة على المغني ولا الشمني . وقال الشيخ محمد الرصاع  في كتاب الجامع الغريب لترتيب آي مغني اللبيب : " وقد رأيت لبعض أهل العصر المشارقة ممن اعتنى بشرح هذا الكتاب - أي التسهيل - أخذ يعتذر عن ابن مالك  والإنصاف أن فيه بعض الإشكال " . وقال الشيخ محمد الأمير  في تعليقه على المغني " ليس ما في شرح التسهيل نصا في ذلك وهو يوهمه فإنه عرف المستثنى بالمخرج بـ ( إلا ) وقال " واحترزت عن ( إلا ) بمعنى إن لم ومثل بالآية ، أي فلا إخراج فيها " . وقلت عبارة متن التسهيل " المستثنى هو المخرج تحقيقا أو تقديرا من مذكور أو متروك بإلا أو ما بمعناها " ، ولم يعرج شارحه المرادي  ولا شارحه الدماميني  على كلامه الذي احترز به في شرحه ولم نقف على شرح ابن مالك  على تسهيله ، وعندي أن الذي دعا ابن مالك  إلى هذا الاحتراز هو ما وقع للأزهري  من قوله " إلا تكون استثناء وتكون حرف جزاء أصلها ( إن لا ) نقله صاحب لسان العرب . وصدوره من مثله يستدعي التنبيه عليه . 
و ثاني اثنين  حال من ضمير النصب في " أخرجه " ، والثاني كل من به كان العدد اثنين فالثاني اسم فاعل أضيف إلى الاثنين على معنى ( من ) ، أي ثانيا من اثنين ، والاثنان هما النبيء - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر    : بتواتر الخبر ، وإجماع المسلمين كلهم . ولكون الثاني معلوما للسامعين كلهم لم يحتج إلى ذكره ، وأيضا لأن المقصود تعظيم هذا النصر مع قلة العدد . 
و ( إذ ) التي في قوله : إذ هما في الغار  بدل من ( إذ ) التي في قوله : ( إذ أخرجه ) فهو زمن واحد وقع فيه الإخراج ، باعتبار الخروج ، والكون في الغار .
 [ ص: 203 ] والتعريف في الغار للعهد ، لغار يعلمه المخاطبون ، وهو الذي اختفى فيه النبيء - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر  حين خروجهما مهاجرين إلى المدينة ،  وهو غار في جبل ثور خارج مكة  إلى جنوبيها ، بينه وبين مكة  نحو خمسة أميال ، في طريق جبلي . 
والغار الثقب في التراب أو الصخر . 
و إذ المضافة إلى جملة " يقول " بدل من إذ المضافة إلى جملة هما في الغار    . بدل اشتمال . 
والصاحب هو ثاني اثنين  وهو  أبو بكر الصديق    . ومعنى الصاحب : المتصف بالصحبة ، وهي المعية في غالب الأحوال ، ومنه سميت الزوجة صاحبة ، كما تقدم في قوله - تعالى : ولم تكن له صاحبة  في سورة الأنعام . وهذا القول صدر من النبيء - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر  حين كانا مختفيين في غار ثور ، فكان أبو بكر  حزينا إشفاقا على النبيء - صلى الله عليه وسلم - أن يشعر به المشركون ، فيصيبوه بمضرة ، أو يرجعوه إلى مكة .  
والمعية هنا : معية الإعانة والعناية ، كما حكى الله - تعالى - عن موسى وهارون قال لا تخافا إنني معكما  وقوله : إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم  
				
						
						
