قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم  إنكم كنتم قوما فاسقين  
ابتداء كلام هو جواب عن قول بعض المستأذنين منهم في التخلف " وأنا أعينك بمالي " . روي أن قائل ذلك هو الجد بن قيس ،  أحد بني سلمة ،  الذي نزل فيه قوله - تعالى : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني  كما تقدم ، وكان منافقا . وكأنهم قالوا ذلك مع شدة شحهم لأنهم ظنوا أن ذلك يرضي النبيء - صلى الله عليه وسلم - عن قعودهم عن الجهاد . 
وقوله : ( طوعا أو كرها    ) أي بمال تبذلونه عوضا عن الغزو ، أو بمال تنفقونه طوعا مع خروجكم إلى الغزو ، فقوله : طوعا إدماج لتعميم أحوال الإنفاق في عدم   [ ص: 226 ] القبول فإنهم لا ينفقون إلا كرها لقوله - تعالى - بعد هذا ولا ينفقون إلا وهم كارهون  
والأمر في أنفقوا للتسوية أي : أنفقوا أو لا تنفقوا ، كما دلت عليه أو في قوله : طوعا أو كرها وهو في معنى الخبر الشرطي لأنه في قوة أن يقال : لن يتقبل منكم إن أنفقتم طوعا أو أنفقتم كرها ، ألا ترى أنه قد يجيء بعد أمثاله الشرط في معناه كقوله - تعالى : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم    . 
والكره أشد الإلزام ، وبينه وبين الطوع مراتب تعلم إرادتها بالأولى ، وانتصب طوعا أو كرها على النيابة عن المفعول المطلق بتقدير : إنفاق طوع أو إنفاق كره . ونائب فاعل " يتقبل " : هو " منكم " أي لا يتقبل منكم شيء وليس المقدر الإنفاق المأخوذ من أنفقوا بل المقصود العموم . 
وجملة إنكم كنتم قوما فاسقين  في موضع العلة لنفي التقبل ، ولذلك وقعت فيها إن المفيدة لمعنى فاء التعليل ; لأن الكافر لا يتقبل منه عمل البر . والمراد بالفاسقين : الكافرون ، ولذلك أعقب بقوله : وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله    . وإنما اختير وصف الفاسقين دون الكافرين لأنهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، فكانوا كالمائلين عن الإسلام إلى الكفر . والمقصود من هذا تأييسهم من الانتفاع بما بذلوه من أموالهم ، فلعلهم كانوا يحسبون أن الإنفاق في الغزو ينفعهم على تقدير صدق دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم ، وهذا من شكهم في أمر الدين ، فتوهموا أنهم يعملون أعمالا تنفع المسلمين يجدونها عند الحشر على فرض ظهور صدق الرسول . ويبقون على دينهم فلا يتعرضون للمهالك في الغزو ولا للمشاق ، وهذا من سوء نظر أهل الضلالة كما حكى الله - تعالى - عن بعضهم أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا  إذ حسب أنه يحشر يوم البعث بحالته التي كان فيها في الحياة إذا صدق إخبار الرسول بالبعث . 
				
						
						
