فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف  وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين  
الفاء للتفريع الذكري ، أي تفريع ذكر هذه الجمل السابقة لأن الشأن أن تكون لما بعد الفاء مناسبة لما قبلها تقتضي أن يذكر بعدها فيؤتى بالفاء للإشارة إلى تلك المناسبة ، كقوله - تعالى : ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين  ، وإلا فإن تكذيب قوم نوح  حصل قبل أن يقول لهم إن كان كبر عليكم مقامي  إلخ ; لأنه ما قال لهم ذلك إلا وقد رأى منهم تجهم دعوته . 
 [ ص: 243 ] ولك أن تجعل معنى فعل كذبوه الاستمرار على تكذيبه مثل فعل آمنوا في قوله - تعالى : يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله  ، فتكون الفاء لتفريع حصول ما بعدها على حصول ما قبلها . 
وأما الفاء التي في جملة فنجيناه فهي للترتيب والتعقيب ; لأن تكذيب قومه قد استمر إلى وقت إغراقهم وإنجاء نوح    - عليه السلام - ومن اتبعه . وهذا نظم بديع وإيجاز معجز إذ رجع الكلام إلى التصريح بتكذيب قومه الذي لم يذكر قبل بل أشير له ضمنا بقوله : إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي  الآية ، فكان كرد العجز على الصدر . ثم أشير إلى استمراره في الأزمنة كلها حتى انتهى بإغراقهم ، فذكر إنجاء نوح  وإغراق المكذبين له ، وبذلك عاد الكلام إلى ما عقب مجادلة نوح  الأخيرة قومه المنتهية بقوله : وأمرت أن أكون من المسلمين  فكان تفننا بديعا في النظم مع إيجاز بهيج . 
وتقدم ذكر إنجائه قبل ذكر الإغراق الذي وقع الإنجاء منه للإشارة إلى أن إنجاءه أهم عند الله - تعالى - من إغراق مكذبيه ، ولتعجيل المسرة للمسلمين السامعين لهذه القصة . 
والفلك : السفينة . وتقدم عند قوله - تعالى : والفلك التي تجري في البحر  في سورة البقرة . 
والخلائف : جمع خليفة وهو اسم للذي يخلف غيره . وتقدم عند قوله - تعالى : إني جاعل في الأرض خليفة  في سورة البقرة . وصيغة الجمع هنا باعتبار الذين معه في الفلك تفرع على كل زوجين منهم أمة . 
وتعريف قوم نوح  بطريق الموصولية في قوله : وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا  للإيماء إلى سبب تعذيبهم بالغرق ، وأنه التكذيب بآيات الله إنذارا للمشركين من العرب ولذلك ذيل بقوله : فانظر كيف كان عاقبة المنذرين  ، أي المنذرين بالعذاب المكذبين بالإنذار . 
 [ ص: 244 ] والنظر : هنا نظر عين ، نزل خبرهم لوضوحه واليقين به منزلة المشاهد . 
والخطاب بـ انظر يجوز أن يكون لكل من يسمع فلا يراد به مخاطب معين ويجوز أن يكون خطابا لمحمد    - صلى الله عليه وسلم - فخص بالخطاب تعظيما لشأنه بأن الذين كذبوه يوشك أن يصيبهم من العذاب نحو مما أصاب قوم نوح    - عليه السلام    - وفي ذلك تسلية له على ما يلاقيه من أذاهم وإظهار لعناية الله به . 
				
						
						
