ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب   
قد علم أن الملائكة ذاهبون إلى قوم لوط  من قوله : إنا أرسلنا إلى قوم لوط    . فالتقدير : ففارقوا إبراهيم  وذهبوا إلى لوط    - عليهما السلام - فلما جاءوا لوطا ،  فحذف ما دل عليه المقام إيجازا قرآنيا بديعا . 
وقد جاءوا لوطا  كما جاءوا إبراهيم  عليهما السلام في صورة البشر ، فظنهم ناسا وخشي أن يعتدي عليهم قومه بعادتهم الشنيعة ، فلذلك سيء بهم . 
ومعنى وضاق بهم ذرعا  ضاق ذرعه بسببهم ، أي بسبب مجيئهم فحول الإسناد إلى المضاف إليه وجعل المسند إليه تمييزا لأن إسناد الضيق إلى صاحب الذرع أنسب بالمعنى المجازي ، وهو أشبه بتجريد الاستعارة التمثيلية . 
والذرع : مد الذراع فإذا أسند إلى الآدمي فهو تقدير المسافة . وإذا أسند إلى البعير فهو مد ذراعيه في السير على قدر سعة خطوته ، فيجوز أن يكون : ضاق ذرعا   [ ص: 125 ] تمثيلا بحال الإنسان الذي يريد مد ذراعه فلا يستطيع مدها كما يريد فيكون ذرعه أضيق من معتاده . ويجوز أن يكون تمثيلا بحال البعير المثقل بالحمل أكثر من طاقته فلا يستطيع مد ذراعيه كما اعتاده . وأيا ما كان فهو استعارة تمثيلية لحال من لم يجد حيلة في أمر يريد عمله بحال الذي لم يستطع مد ذراعه كما يشاء . 
وقوله : هذا يوم عصيب  قاله في نفسه كما يناجي المرء نفسه إذا اشتد عليه أمر . 
والعصيب : الشديد فيما لا يرضي . يقال : يوم عصيب إذا حدث فيه أمر عظيم من أحوال الناس أو أحوال الجو كشدة البرد وشدة الحر . وهو بزنة فعيل بمعنى فاعل ولا يعرف له فعل مجرد وإنما يقال : اعصوصب الشر اشتد . قالوا : هو مشتق من قولك : عصبت الشيء إذا شددته . وأصل هذه المادة يفيد الشد والضغط ، يقال : عصب الشيء إذا لواه ، ومنه العصابة . ويقال : عصبتهم السنون إذا أجاعتهم . ولم أقف على فعل مجرد لوصف اليوم بعصيب . وأراد : أنه سيكون عصيبا لما يعلم من عادة قومه السيئة وهو مقتض أنهم جاءوه نهارا . 
ومن بديع ترتيب هذه الجمل أنها جاءت على ترتيب حصولها في الوجود ، فإن أول ما يسبق إلى نفس الكاره للأمر أن يساء به ويتطلب المخلص منه ، فإذا علم أنه لا مخلص منه ضاق به ذرعا ، ثم يصدر تعبيرا عن المعاني وترتيبا عنه كلاما يريح به نفسه . 
وتصلح هذه الآية لأن تكون مثالا لإنشاء المنشئ إنشاءه على حسب ترتيب الحصول في نفس الأمر ، هذا أصل الإنشاء ما لم تكن في الكلام دواعي التقديم والتأخير ودواعي الحذف والزيادة . 
				
						
						
