وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين   
انتقل من خطاب المؤمنين إلى خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا الخطاب يتناول جميع الأمة  بقرينة أن المأمور به من الواجبات على جميع   [ ص: 179 ] المسلمين ، لا سيما وقد ذكر معه ما يناسب الأوقات المعينة للصلوات الخمس  ، وذلك ما اقتضاه حديث أبي اليسر  الآتي . 
وطرف الشيء : منتهاه من أوله أو من آخره ، فالتثنية صريحة في أن المراد أول النهار وآخره . 
والنهار : ما بين الفجر إلى غروب الشمس ، سمي نهارا لأن الضياء ينهر فيه ، أي يبرز كما يبرز النهر . 
والأمر بالإقامة يؤذن بأنه عمل واجب لأن الإقامة إيقاع العمل على ما يستحقه ، فتقتضي أن المراد بالصلاة هنا الصلاة المفروضة ، فالطرفان ظرفان لإقامة الصلاة المفروضة ، فعلم أن المأمور إيقاع صلاة في أول النهار وهي الصبح وصلاة في آخره وهي العصر وقيل المغرب . 
والزلف : جمع زلفة مثل غرفة وغرف ، وهي الساعة القريبة من أختها ، فعلم أن المأمور إيقاع الصلاة في زلف من الليل ، ولما لم تعين الصلوات المأمور بإقامتها في هذه المدة من الزمان كان ذلك مجملا فبينته السنة والعمل المتواتر بخمس صلوات هي الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وكان ذلك بيانا لآيات كثيرة في القرآن كانت مجملة في تعيين أوقات الصلوات مثل قوله - تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا    . 
والمقصود أن تكون الصلاة أول أعمال المسلم إذا أصبح وهي صلاة الصبح وآخر أعماله إذا أمسى وهي صلاة العشاء لتكون السيئات الحاصلة فيما بين ذلك ممحوة بالحسنات الحافة بها . وهذا مشير إلى حكمة كراهة الحديث بعد صلاة العشاء  للحث على الصلاة وخاصة ما كان منها في أوقات تعرض الغفلة عنها . وقد ثبت وجوبهما بأدلة أخر وليس في هذه الآية ما يقتضي حصر الوجوب في المذكور فيها . 
 [ ص: 180 ] وجملة إن الحسنات يذهبن السيئات  مسوقة مساق التعليل للأمر بإقامة الصلوات ، وتأكيد الجملة بحرف إن للاهتمام وتحقيق الخبر . و ( إن ) فيه مفيدة معنى التعليل والتفريع ، وهذا التعليل مؤذن بأن الله جعل الحسنات يذهبن السيئات  ، والتعليل مشعر بعموم أصحاب الحسنات لأن الشأن أن تكون العلة أعم من المعلول مع ما يقتضيه تعريف الجمع باللام من العموم . 
وإذهاب السيئات يشمل إذهاب وقوعها بأن يصير انسياق النفس إلى ترك السيئات سهلا وهينا كقوله - تعالى : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر  ويكون هذا من خصائص الحسنات كلها . ويشمل أيضا محو إثمها إذا وقعت ، ويكون هذا من خصائص الحسنات كلها فضلا من الله على عباده الصالحين . 
ومحمل السيئات هنا على السيئات الصغائر التي هي من اللمم حملا لمطلق هذه الآية على مقيد آية الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم  وقوله - تعالى : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم  ، فيحصل من مجموع الآيات أن اجتناب الفواحش جعله الله سببا لغفران الصغائر أو أن الإتيان بالحسنات يذهب أثر السيئات الصغائر ، وقد تقدم ذلك عند قوله - تعالى : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم  في سورة النساء . 
روى  البخاري  عن  عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه : أن رجلا أصاب من امرأة قبلة حرام  فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك فأنزلت عليه وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل    . فقال الرجل : ألي هذه ؟ قال : لمن عمل بها من أمتي   . 
وروى الترمذي  عن  ابن مسعود  رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني عالجت امرأة في أقصى المدينة  ، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها وها أنا ذا فاقض في ما شئت ، فلم يرد عليه رسول الله   [ ص: 181 ]   - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فانطلق الرجل فأتبعه رجلا فدعاه فتلا عليه وأقم الصلاة طرفي النهار  إلى آخر الآية ، فقال رجل من القوم : هذا له خاصة ؟ قال : لا ، بل للناس كافة   . قال الترمذي    : هذا حديث حسن صحيح . وأخرج الترمذي  حديثين آخرين : أحدهما عن  معاذ بن جبل  ، والآخر عن أبي اليسر  وهو صاحب القصة وضعفهما . 
والظاهر أن المروي في هذه الآية هو الذي حمل ابن عباس وقتادة على القول بأن هذه الآية مدنية دون بقية هذه السورة لأنه وقع عند  البخاري   والترمذي  قوله : فأنزلت عليه فإن كان كذلك كما ذكره الراوي فهذه الآية ألحقت بهذه السورة في هذا المكان لمناسبة وقوع قوله : فاستقم كما أمرت  قبلها وقوله : واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين  بعدها . 
وأما الذين رجحوا أن السورة كلها مكية فقالوا : إن الآية نزلت في الأمر بإقامة الصلوات  وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بها الذي سأله عن القبلة الحرام وقد جاء تائبا ليعلمه بقوله : إن الحسنات يذهبن السيئات  ، فيئول قول الراوي : فأنزلت عليه ، أنه أنزل عليه شمول عموم الحسنات والسيئات لقضية السائل ولجميع ما يماثلها من إصابة الذنوب غير الفواحش . 
ويؤيد ذلك ما في رواية الترمذي  عن علقمة  والأسود  عن  ابن مسعود  قوله : فتلا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقم الصلاة ، ولم يقولا : فأنزل عليه . 
وقوله : ذلك ذكرى للذاكرين  أي تذكرة للذي شأنه أن يذكر ولم يكن شأنه الإعراض عن طلب الرشد والخير ، وهذا أفاد العموم نصا . وقوله : ذلك الإشارة إلى المذكور قبله من قوله : فاستقم كما أمرت  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					