ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد   
ذلك إشارة إلى المذكور من الإهلاك والإسكان المأخوذين من لنهلكن - ولنسكننكم . عاد إليهما اسم الإشارة بالإفراد بتأويل المذكور ، كقوله ( ومن يفعل ذلك يلق آثاما    ) . 
واللام للملك ، أي : ذلك عطاء وتمليك لمن خاف مقامي ، كقوله تعالى ذلك لمن خشي ربه  ، والمعنى : ذلك الوعد لمن خاف مقامي ، أي : ذلك لكم ; لأنكم خفتم مقامي ، فعدل عن ضمير الخطاب إلى من خاف مقامي لدلالة الموصول على الإيماء إلى أن الصلة علة في حصول تلك العطية . 
 [ ص: 208 ] ومعنى خاف مقامي  خافني ، فلفظ ( مقام ) مقحم للمبالغة في تعلق الفعل بمفعوله ، كقوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان    ; لأن المقام أصله مكان القيام ، وأريد فيه بالقيام مطلق الوجود ; لأن الأشياء تعتبر قائمة ، فإذا قيل خاف مقامي  كان فيه من المبالغة ما ليس في ( خافني ) بحيث إن الخوف يتعلق بمكان المخوف منه ، كما يقال : قصر في جانبي ، ومنه قوله تعالى على ما فرطت في جنب الله  ، وكل ذلك كناية عن المضاف إليه كقول  زياد الأعجم    : 
إن السماحة والمروءة والندى في قبة ضربت على ابن الحشرج أي : في ابن الحشرج  من غير نظر إلى وجود قبة ، ومنه ما في الحديث إن الله لما خلق الرحم أخذت بساق العرش وقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، أي : هذا العائذ بك القطيعة ، وخوف الله : هو خوف غضبه ; لأن غضب الله أمر مكروه لدى عبيده . 
وعطف جملة وخاف وعيد  على خاف مقامي  مع إعادة فعل ( خاف ) دون اكتفاء بعطف وعيدي على مقامي ; لأن هذه الصلة وإن كان صريحها ثناء على المخاطبين فالمراد منها التعريض بالكافرين بأنهم لا يخافون وعيد الله ، ولولا ذلك لكانت جملة خاف مقامي  تغني عن هذه الجملة ، فإن المشركين لم يعبئوا بوعيد الله وحسبوه عبثا ، قال تعالى ويستعجلونك بالعذاب  ، ولذلك لم يجمع بينهما في سورة البينة ذلك لمن خشي ربه    ; لأنه في سياق ذكر نعيم المؤمنين خاصة . 
وهذه الآية في ذكر إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين أرضهم فكان المقام للفريقين ، فجمع في جزاء المؤمنين بإدماج التعريض بوعيد الكافرين ، وفي الجمع بينهما دلالة على أن من حق المؤمن أن يخاف غضب ربه وأن يخاف   [ ص: 209 ] وعيده ، والذين يخافون غضب الله ووعيده هم المتقون الصالحون ، فآل معنى الآية إلى معنى الآية الأخرى أن الأرض يرثها عبادي الصالحون    . 
وقرأ الجمهور ( وعيد ) بدون ياء وصلا ووقفا ، وقرأه  ورش  عن نافع  بدون ياء في الوقف وبإثباتها في الوصل ، وقرأه يعقوب  بإثبات الياء في حالي الوصل والوقف ، وكل ذلك جائز في ياء المتكلم الواقعة مضافا إليها في غير النداء ، وفيها في النداء لغتان أخريان . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					