ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون   لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون  عطف على جملة " لا يؤمنون به    " وهو كلام جامع لإبطال جميع معاذيرهم من قولهم لوما تأتينا بالملائكة  وقولهم إنك لمجنون  
 [ ص: 26 ] بأنهم لا يطلبون الدلالة على صدقه ; لأن دلائل الصدق بينة ، ولكنهم ينتحلون المعاذير المختلفة . 
والكلام الجامع لإبطال معاذيرهم : أنهم لو فتح الله بابا من السماء حين سألوا آية على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أي : بطلب من الرسول فاتصلوا بعالم القدس والنفوس الملكية ورأوا ذلك رأي العين لاعتذروا بأنها تخيلات وأنهم سحروا فرأوا ما ليس بشيء شيئا . 
ونظيره قوله ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين    . 
( و ظل ) تدل على الكون في النهار ، أي : وكان ذلك في وضح النهار وتبين الأشباح ، وعدم التردد في المرئي .
والعروج : الصعود ، ويجوز في مضارعه ضم الراء - وبه القراءة - وكسرها ، أي : فكانوا يصعدون في ذلك الباب نهارا . 
و سكرت بضم السين وتشديد الكاف في قراءة الجمهور ، وبتخفيف الكاف في قراءة ابن كثير ،  وهو مبني للمجهول على القراءتين ، أي : سدت ، يقال : سكر الباب بالتشديد وسكره بالتخفيف إذا سده . 
والمعنى : لجحدوا أن يكونوا رأوا شيئا . 
وأتوا بصيغة الحصر للدلالة على أنهم قد بتوا القول في ذلك ، ورد بعضهم على بعض ظن أن يكونوا رأوا أبواب السماء وعرجوا فيها ، وزعموا أنهم ما كانوا يبصرون ، ثم أضربوا عن ذلك إضراب المتردد المتحير ينتقل من فرض إلى فرض فقالوا بل نحن قوم مسحورون ، أي : ما رأيناه هو تخيلات المسحور ، أي : فعادوا إلى إلقاء تبعة ذلك على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه سحرهم حين سأل لهم الله أن يفتح بابا من السماء ففتحه لهم .   [ ص: 27 ] وقد تقدم الكلام على السحر وأحواله عند قوله تعالى يعلمون الناس السحر  في سورة البقرة . 
وإقحام كلمة ( قوم ) هنا دون أن يقولوا : بل نحن مسحورون ; لأن ذكرها يقتضي أن السحر قد تمكن منهم ، واستوى فيه جميعهم حتى صار من خصائص قوميتهم كما تقدم تبيينه عند قوله تعالى لآيات لقوم يعقلون  في سورة البقرة ، وتكرر ذلك . 
				
						
						
