ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم   اعتراض بين جملة فاصفح الصفح الجميل  وجملة لا تمدن عينيك  الآية . 
أتبع التسلية والوعد بالمنة ليذكر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالنعمة العظيمة فيطمئن بأنه كما أحسن إليه بالنعم الحاصلة فهو منجزه الوعود الصادقة . 
وفي هذا الامتنان تعريض بالرد على المكذبين ، وهو ناظر إلى قوله وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون  إلى قوله تعالى وإنا له لحافظون    . 
فالجملة عطف على الجمل السابقة ; عطف الغرض على الغرض ، والقصة على القصة ، وهذا افتتاح غرض من التنويه بالقرآن والتحقير لعيش المشركين . 
وإيتاء القرآن : أي إعطاؤه ، وهو تنزيله عليه والوحي به إليه . 
وأوثر فعل ( آتيناك ) دون أوحينا أو أنزلنا لأن الإعطاء أظهر في الإكرام والمنة . 
وجعل ( القرآن ) معطوفا على سبعا من المثاني  يشعر بأن السبع المثاني من القرآن ، وذلك ما درج عليه جمهور المفسرين ، ودل عليه الحديث الآتي . 
وقد وصف القرآن في سورة الزمر بالمثاني في قوله تعالى الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني  ، فتعين أن السبع هي أشياء تجري   [ ص: 80 ] تسميتها على التأنيث ; لأنها أجري عليها اسم عدد المؤنث ، ويتعين أن المراد آيات أو سور من القرآن ، وأن ( من ) تبعيضية ، وذلك أيضا شأن ( من ) إذا وقعت بعد اسم عدد ، وأن المراد أجزاء من القرآن آيات أو سور لها مزية اقتضت تخصيصها بالذكر من بين سائر القرآن ، وأن المثاني أسماء القرآن  كما دلت عليه آية الزمر ، وكما اقتضته ( من ) التبعيضية ، ولكون المثاني غير السبع مغايرة بالكلية والجزئية تصحيحا للعطف . 
و ( المثاني ) يجوز أن يكون جمع مثنى بضم الميم وتشديد النون اسم مفعول مشتقا من ثنى إذا كرر تكريرة ، قيل المثاني جمع مثناة بفتح الميم وسكون الثاء المثلثة وبهاء تأنيث في آخره ، فهو مشتق من اسم الاثنين . 
والأصح أن السبع المثاني  هي سورة فاتحة الكتاب ; لأنها يثنى بها ، أي تعاد في كل ركعة من الصلاة فاشتقاقها من اسم الاثنين المراد به مطلق التكرير ، فيكون استعماله هذا مجازا مرسلا بعلاقة الإطلاق ، أو كناية ; لأن التكرير لازم كما استعملت صيغة التثنية فيه في قوله تعالى ثم ارجع البصر كرتين  أي كرات وفي قولهم : لبيك ، وسعديك ، ودواليك . 
أو هو جمع مثناة مصدرا ميميا على وزن المفعلة أطلق المصدر على المفعول . 
ثم إن كان المراد بالسبع سبع آيات ، فالمؤتى هو سورة الفاتحة ; لأنها سبع آيات وهذا الذي ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد بن المعلى   وأبي بن كعب   وأبي هريرة  في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم أن أم القرآن هي السبع المثاني فهو الأولى بالاعتماد عليه . 
وقد تقدم ذلك في ذكر أسماء الفاتحة ، ومعنى التكرير في الفاتحة أنها تكرر في الصلاة . 
وعن  ابن عباس    : أن السبع المثاني هي السور السبع الطوال : أولاها البقرة وآخرها براءة ، وقيل : السور التي فوق ذوات المئين . 
 [ ص: 81 ] وعطف القرآن على السبع من عطف الكل على الجزء لقصد التعميم ; ليعلم أن إيتاء القرآن كله نعمة عظيمة . 
وفي حديث أبي سعيد بن المعلى  قال : قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - " والقرآن العظيم الذي أوتيه   " على تأويله بأن كلمة القرآن مرفوعة بالابتداء و ( الذي أوتيته ) خبره . 
وأجري وصف العظيم على القرآن تنويها به . 
وإن كان المراد بالسبع سورا كما هو مروي من قول  ابن عباس  وكثير من الصحابة  والسلف ، واختلفوا في تعيينها بما لا ينثلج له الصدر ، فيكون إبهامها مقصودا لصرف الناس للعناية بجميع ما نزل من سور القرآن كما أبهمت ليلة القدر . 
				
						
						
