أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين   أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم  الأخذ مستعار للإهلاك قال تعالى فأخذهم أخذة رابية  ، وتقدم عند قوله أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون  في سورة الأنعام . 
والتقلب : السعي في شئون الحياة من متاجرة ومعاملة وسفر ومحادثة ومزاحمة ، وأصله : الحركة إقبالا وإدبارا ، والمعنى : أن يهلكهم الله وهم شاعرون بمجيء العذاب . 
وهذا قسيم قوله تعالى أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون  ، وفي معناه قوله تعالى أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون  أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون    . 
وتفريع فما هم بمعجزين  اعتراض ، أي لا يمنعهم من أخذه إياهم تقلبهم شيء إذ لا يعجزه اجتماعهم وتعاونهم . 
و ( في ) للظرفية المجازية ، أي الملابسة ، وهي حال من الضمير المنصوب في ( يأخذهم ) . 
 [ ص: 167 ] والتخوف في اللغة يأتي مصدر تخوف القاصر بمعنى خاف ومصدر تخوف المتعدي بمعنى ( تنقص ) ، وهذا الثاني لغة هذيل ،  وهي من اللغات الفصيحة التي جاء بها القرآن . 
فللآية معنيان : إما أن يكون المعنى يأخذهم ، وهم في حالة توقع نزول العذاب بأن يريهم مقدماته ; مثل الرعد قبل الصواعق ، وإما أن يكون المعنى يأخذهم وهم في حالة تنقص من قبل أن يتنقصهم قبل الأخذ بأن يكثر فيهم الموتان والفقر والقحط . 
وحرف ( على ) مستعمل في التمكن على كلا المعنيين ، ومحل المجرور حال من ضمير النصب في ( يأخذهم ) وهو كقولهم : أخذه على غرة . 
روى  الزمخشري  وابن عطية  يزيد أحدهما على الآخر : أن  عمر بن الخطاب    - رضي الله عنه - خفي عليه معنى التخوف في هذه الآية ، وأراد أن يكتب إلى الأمصار ، وأنه سأل الناس ، وهو على المنبر : ما تقولون فيها ؟ فقام شيخ من هذيل  فقال : هذه لغتنا ، التخوف : التنقص ، قال : فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم قال شاعرنا : 
تخوف الرحل منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن 
فقال عمر - رضي الله عنه - : أيها الناس عليكم بديوانكم لا يضل ، قالوا : وما ديواننا ؟ قال : شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم   . 
وتفرع فإن ربكم لرءوف رحيم  على الجمل الماضية تفريع العلة على المعلل ، وحرف ( إن ) هنا مفيد للتعليل ، ومغن عن فاء التفريع كما   [ ص: 168 ] بينه عبد القاهر ،  فهي مؤكدة لما أفادته الفاء ، والتعليل هنا لما فهم من مجموع المذكورات في الآية من أنه تعالى قادر على تعجيل هلاكهم ، وأنه أمهلهم حتى نسوا بأس الله فصاروا كالآمنين منه بحيث يستفهم عنهم : أهم آمنون من ذلك أم لا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					