ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم  وما أرسلناك عليهم وكيلا  هذا الكلام متصل بقوله نحن أعلم بما يستمعون به  إلى قوله فلا يستطيعون سبيلا  ، فإن ذلك ينطوي على ما هو شأن نجواهم من التصميم على العناد والإصرار على الكفر ، وذلك يسوء النبيء صلى الله عليه وسلم ، ويحزنه أن لا يهتدوا ، فوجه هذا الكلام إليه تسلية له ، ويدل لذلك تعقيبه بقوله وما أرسلناك عليهم وكيلا    . 
 [ ص: 134 ] ومعنى إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم  على هذا الكناية عن مشيئة هديه إياهم الذي هو سبب الرحمة ، أو مشيئة تركهم وشأنهم ، وهذا أحسن ما تفسر به هذه الآية ، ويبين موقعها ، وما قيل غيره أراه لا يلتئم . 
وأوتي بالمسند إليه بلفظ ( الرب ) مضافا إلى ضمير المؤمنين الشامل للرسول ; تذكيرا بأن الاصطفاء للخير شأن من معنى الربوبية التي هي تدبير شئون المربوبين بما يليق بحالهم ; ليكون لإيقاع المسند على المسند إليه بعد ذلك بقوله أعلم بكم وقع بديع ; لأن الذي هو الرب هو الذي يكون أعلم بدخائل النفوس وقابليتها للاصطفاء . 
وهذه الجملة بمنزلة المقدمة لما بعدها وهي جملة إن يشأ يرحمكم  الآية ، أي هو أعلم بما يناسب حال كل أحد من استحقاق الرحمة ، واستحقاق العذاب . 
ومعنى أعلم بكم أعلم بحالكم ; لأن الحالة هي المناسبة لتعلق العلم . 
فجملة إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم  مبينة للمقصود من جملة ربكم أعلم بكم    . 
والرحمة والتعذيب مكنى بهما عن الاهتداء والضلال ، بقرينة مقارنته لقوله ربكم أعلم بكم  الذي هو كالمقدمة ، وسلك سبيل الكناية بهما لإفادة فائدتين : صريحهما وكنايتهما ، ولإظهار أنه لا يسأل عما يفعل ; لأنه أعلم بما يليق بأحوال مخلوقاته ، فلما ناط الرحمة بأسبابها والعذاب بأسبابه ، بحكمته وعدله ، علم أن معنى مشيئته الرحمة أو التعذيب هو مشيئة إيجاد أسبابهما ، وفعل الشرط محذوف ، والتقدير : إن يشأ رحمتكم يرحمكم أو إن يشأ تعذيبكم يعذبكم ، على حكم حذف مفعول فعل المشيئة في الاستعمال . 
وجيء بالعطف بحرف ( أو ) الدالة على أحد الشيئين ; لأن الرحمة والتعذيب لا يجتمعان ، ف ( أو ) للتقسيم . 
 [ ص: 135 ] وذكر شرط المشيئة هنا فائدته التعليم بأنه تعالى لا مكره له ، فجمعت الآية الإشارة إلى صفة العلم والحكمة وإلى صفة الإرادة والاختيار . 
وإعادة شرط المشيئة في الجملة المعطوفة ; لتأكيد تسلط المشيئة على الحالتين . 
وجملة وما أرسلناك عليهم وكيلا  زيادة لبيان أن الهداية والضلال من جعل الله تعالى ، وأن النبيء غير مسئول عن استمرار من استمر في الضلالة ; إزالة للحرج عنه فيما يجده من عدم اهتداء من يدعوهم ، أي ما أرسلناك لتجبرهم على الإيمان ، وإنما أرسلناك داعيا    . 
والوكيل على الشيء : هو المسئول به ، والمعنى : أرسلناك نذيرا وداعيا لهم ، وما أرسلناك عليهم وكيلا ، فيفيد معنى القصر ; لأن كونه داعيا ونذيرا معلوم بالمشاهدة ، فإذا نفي عنه أن يكون وكيلا ، وملجأ آل إلى معنى : ما أنت إلا نذير . 
وضمير عليهم عائد إلى المشركين ، كما عادت إليهم ضمائر على قلوبهم  وما بعده من الضمائر اللائقة بهم . 
و عليهم متعلق ب وكيلا ، وقدم على متعلقه ; للاهتمام ، وللرعاية على الفاصلة . 
				
						
						
