قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا   لم أر لهذه الآية تفسيرا يثلج له الصدر ، والحيرة بادية على أقوال المفسرين في معناها وانتظام موقعها مع سابقها ، ولا حاجة إلى استقراء كلماتهم ، ومرجعها إلى طريقتين في محمل الذين زعمتم من دونه  إحداهما في تفسير  الطبري  ، وابن عطية  عن  ابن مسعود  ، والحسن  ، وثانيتهما في تفسير القرطبي  والفخر  غير معزوة لقائل . 
والذي أرى في تفسيرها أن جملة قل ادعوا الذين زعمتم من دونه  إلى تحويلا معترضة بين جملة ولقد فضلنا بعض النبيئين  وجملة أولئك الذين يدعون  ، وذلك أنه لما جرى ذكر الأفضلين من الأنبياء في أثناء آية الرد على المشركين مقالتهم في اصطفاء محمد  صلى الله عليه وسلم للرسالة ، واصطفاء أتباعه لولايته ودينه ، وهي آية وربك أعلم بمن في السماوات والأرض  إلى آخرها ، جاءت المناسبة لرد مقالة أخرى من مقالاتهم الباطلة ، وهي اعتذارهم عن عبادة الأصنام بأنهم ما يعبدونهم إلا ليقربوهم إلى الله زلفى ، فجعلوهم عبادا مقربين ، ووسائل لهم إلى الله ، فلما جرى ذكر المقربين حقا انتهزت مناسبة ذكرهم ; لتكون مخلصا إلى إبطال ما ادعوه من وسيلة أصنامهم على عادة إرشاد القرآن من اغتنام   [ ص: 139 ] مناسبات الموعظة ، وذلك من أسلوب الخطباء ، فهذه الآية متصلة المعنى بآية قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذن لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا  ، فبعد أن أبطل أن يكون مع الله آلهة ببرهان العقل عاد إلى إبطال إلهيتهم المزعومة ببرهان الحس ، وهو مشاهدة أنها لا تغني عنهم كشف الضر . 
فأصل ارتباط الكلام هكذا : ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا أولئك الذين يدعون يبتغون الآية ، فبمناسبة الثناء عليهم بابتهالهم إلى ربهم ذكر ضد ذلك من دعاء المشركين آلهتهم ، وقدم ذلك ، على الكلام الذي أثار المناسبة ، اهتماما بإبطال فعلهم ; ليكون إبطاله كالغرض المقصود ويكون ذكر مقابله كالاستدلال على ذلك الغرض ، ولعل هذه الآية نزلت في مدة إصابة القحط قريشا بمكة ، وهي السبع السنون التي هي دعوة النبيء صلى الله عليه وسلم : اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف  ، وتسلسل الجدال وأخذ بعضه بحجز بعض حتى انتهى إلى هذه المناسبة . 
والملك بمعنى الاستطاعة والقدرة كما في قوله قل فمن يملك من الله شيئا  ، وقوله قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا  في سورة العقود . 
والمقصود من ذلك بيان البون بين الدعاء الحق والدعاء الباطل ، ومن نظائر هذا المعنى في القرآن قوله تعالى إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون  في سورة الأعراف . 
والكشف : مستعار للإزالة . 
والتحويل : نقل الشيء من مكان إلى مكان ، أي لا يستطيعون إزالة الضر عن الجميع ، ولا إزالته عن واحد إلى غيره . 
				
						
						
