واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيئا   ورفعناه مكانا عليا  
إدريس    : اسم جعل علما على جد أبي نوح ،  وهو المسمى في التوراة أخنوخ    . فنوح هو ابن لامك بن متوشالح بن أخنوخ ،  فلعل اسمه عند نسابي العرب إدريس ،  أو أن القرآن سماه بذلك اسما مشتقا من الدرس لما سيأتي قريبا . واسمه هرمس  عند اليونان ، ويزعم أنه كذلك يسمى عند المصريين القدماء ، والصحيح أن اسمه عند المصريين توت أو تحوتي أو تهوتي  لهجات في النطق باسمه . 
وذكر ابن العبري  في تاريخه أن إدريس  كان يلقب عند قدماء اليونان طريسمجيسطيس    . ومعناه بلسانهم ثلاثي التعليم ، لأنه كان يصف الله بثلاث صفات ذاتية وهي الوجود والحكمة والحياة اهـ . 
 [ ص: 131 ] ولا يخفى قرب الحروف الأولى في هذا الاسم من حروف إدريس  ، لعل العرب اختصروا الاسم لطوله فاقتصروا على أوله مع تغيير . 
وكان إدريس  نبيئا ، ففي الإصحاح الخامس من سفر التكوين وسار أخنوخ  مع الله . 
قيل : هو أول من وضع للبشر عمارة المدن ، وقواعد العلم ، وقواعد التربية ، وأول من وضع الخط ، وعلم الحساب بالنجوم وقواعد سير الكواكب ، وتركيب البسائط بالنار فلذلك كان علم الكيمياء ينسب إليه ، وأول من علم الناس الخياطة . فكان هو مبدأ من وضع العلوم ، والحضارة ، والنظم العقلية . فوجه تسميته في القرآن بإدريس  أنه اشتق له اسم من الفرس  وزن مناسب للأعلام العجمية ، فلذلك منع من الصرف مع كون حروفه من مادة عربية ، كما منع إبليس من الصرف ، وكما منع طالوت من الصرف . 
وتقدم اختلاف القراء في لفظ ( نبيئا ) عند ذكر إبراهيم    . 
وقوله ( ورفعناه مكانا عليا    ) الجماعة من المفسرين هو رفع مجازي . والمراد : رفع المنزلة ، لما أوتيه من العلم الذي فاق به على من سلفه . ونقل هذا عن الحسن ،  وقال به أبو مسلم الأصفهاني    . وقال جماعة : هو رفع حقيقي إلى السماء . وفي الإصحاح الخامس من سفر التكوين وسار أخنوخ  مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه وعلى هذا فرفعه مثل رفع عيسى    - عليه السلام - . والأظهر أن ذلك بعد نزع روحه وروحنة جثته . 
ومما يذكر عنه أنه بقي ثلاث عشرة سنة لا ينام ولا يأكل حتى تروحن ، فرفع ، وأما حديث الإسراء فلا حجة فيه لهذا القول لأنه ذكر فيه عدة أنبياء غيره وجدوا في السماوات . ووقع في حديث مالك بن صعصعة  عن الإسراء بالنبيء   [ ص: 132 ]   - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات أنه وجد إدريس    - عليه السلام - في السماء وأنه لما سلم عليه قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبيء الصالح ؛ فأخذ منه أن إدريس    - عليه السلام - لم تكن له ولادة على النبيء - صلى الله عليه وسلم - لأنه لم يقل له والابن الصالح ، ولا دليل في ذلك لأنه قد يكون قال ذلك اعتبارا بأخوة التوحيد فرجحها على صلة النسب فكان ذلك من حكمته ؛ على أنه يجوز أن يكون ذلك سهوا من الراوي فإن تلك الكلمة لم تثبت في حديث  جابر بن عبد الله  في صحيح  البخاري    . وقد جزم  البخاري  في أحاديث الأنبياء بأن إدريس  جد نوح  أو جد أبيه . وذلك يدل على أنه لم ير في قوله مرحبا بالأخ الصالح ما ينافي أن يكون أبا للنبيء - صلى الله عليه وسلم - . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					