[ ص: 139 ] وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا  وما بين ذلك وما كان ربك نسيا    ( 
موقع هذه الآية هنا غريب . فقال جمهور المفسرين : إن سبب نزولها ) أن جبريل    - عليه السلام - أبطأ أياما عن النزول إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - وأن النبيء ود أن تكون زيارة جبريل  له أكثر مما هو يزوره فقال لجبريل    : ألا تزورنا أكثر مما تزورنا ، فنزلت ( وما نتنزل إلا بأمر ربك    ) إلى آخر الآية ، أي إلى قوله نسيا ، رواه  البخاري   والترمذي  عن  ابن عباس    . وظاهره أنه رواية وهو أصح ما روي في سبب نزولها وأليقه بموقعها هنا . ولا يلتفت إلى غيره من الأقوال في سبب نزولها . 
والمعنى : أن الله أمر جبريل    - عليه السلام - أن يقول هذا الكلام جوابا عنه ، فالنظم نظم القرآن بتقدير : وقل ما نتنزل إلا بأمر ربك ، أي قل يا جبريل ،  فكان هذا خطابا لجبريل  ليبلغه إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - قرآنا . فالواو عاطفة فعل القول المحذوف على الكلام الذي قبله عطف قصة على قصة مع اختلاف المخاطب ، وأمر الله رسوله أن يقرأها هنا ، ولأنها نزلت لتكون من القرآن . 
ولا شك أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك لجبريل    - عليه السلام - عند انتهاء قصص الأنبياء في هذه السورة فأثبتت الآية في الموضع الذي بلغ إليه نزول القرآن . والضمير لجبريل  والملائكة ، أعلم الله نبيئه على لسان جبريل  أن نزول الملائكة لا يقع إلا عن أمر الله تعالى وليس لهم اختيار   [ ص: 140 ] في النزول ولقاء الرسل ، قال تعالى ( لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون    ) . ونتنزل مرادف ننزل ، وأصل التنزل : تكلف النزول . فأطلق ذلك على نزول الملائكة من السماء إلى الأرض لأنه نزول نادر وخروج عن عالمهم فكأنه متكلف ، قال تعالى ( تنزل الملائكة والروح فيها    ) . 
واللام في له للملك ، وهو ملك التصرف . 
والمراد ب ما بين أيدينا : ما هو أمامنا ، وب ما خلفنا : ما هو وراءنا ، وب ما بين ذلك : ما كان عن أيمانهم وعن شمائلهم ، لأن ما كان عن اليمين وعن الشمال هو بين الأمام والخلف . والمقصود استيعاب الجهات . ولما كان ذلك مخبرا عنه بأنه ملك لله تعين أن يراد به الكائنات التي في تلك الجهات ، فالكلام مجاز مرسل بعلاقة الحلول ، مثل واسأل القرية  ، فيعم جميع الكائنات ، ويستتبع عموم أحوالها وتصرفاتها مثل التنزل بالوحي . ويستتبع عموم الأزمان المستقبل والماضي والحال ، وقد فسر بها قوله ( ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك    ) . وجملة ( وما كان ربك نسيا    ) إلى هذا الوجه من الكلام الملقن به جبريل  جوابا للنبيء - صلى الله عليه وسلم - . ونسيا صيغة مبالغة من نسي ، أي كثير النسيان أو شديده . 
والنسيان : الغفلة عن توقيت الأشياء بأوقاتها . وقد فسروه هنا بتارك ، أي ما كان ربك تاركك . 
وعليه فالمبالغة منصرفة إلى   [ ص: 141 ] طول مدة النسيان . وفسر بمعنى شديد النسيان ، فيتعين صرف المبالغة إلى جانب نسبة نفي النسيان عند الله ، أي تحقيق نفي النسيان مثل المبالغة في قوله ( وما ربك بظلام للعبيد    ) هو هنا كناية عن إحاطة علم الله ، أي أن تنزلنا بأمر الله لما هو على وفق علمه وحكمته في ذلك ، فنحن لا نتنزل إلا بأمره ، وهو لا يأمرنا بالتنزل إلا عند اقتضاء علمه وحكمته أن يأمرنا به . 
وجوز أبو مسلم  وصاحب الكشاف : أن هذه الآية من تمام حكاية كلام أهل الجنة بتقدير فعل يقولون حالا من قوله : من كان تقيا ، أي وما نتنزل في هذه الجنة إلا بأمر ربك إلخ . وهو تأويل حسن . وعليه فكاف الخطاب في قوله بأمر ربك خطاب كل قائل لمخاطبه . وهذا التجويز بناء على أن ما روي عن  ابن عباس  رأي له في تفسير الآية لا تتعين متابعته . 
وعليه فجملة ( وما كان ربك نسيا    ) من قول الله تعالى لرسوله تذييلا لما قبله ، أو هي من كلام أهل الجنة ، أي وما كان ربنا غافلا عن إعطاء ما وعدنا به . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					