" وقالوا إن هذا إلا سحر مبين   أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمبعوثون  أو آباؤنا الأولون  قل نعم وأنتم داخرون  فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون    " . 
عطف على جملة فاستفتهم أهم أشد خلقا  الآية . والإشارة في قوله إن هذا إلا سحر مبين  إلى مضمون قوله فاستفتهم أهم أشد خلقا  وهو إعادة الخلق عند البعث ، ويبينه قوله " أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمبعوثون " ، أي وقالوا في رد الدليل الذي تضمنه قوله أهم أشد خلقا أم من خلقنا  أي أجابوا بأن ادعاء إعادة الحياة بعد البلى كلام سحر مبين ، أي : كلام لا يفهم ، قصد به سحر السامع . هذا وجه تفسير هذه الآية تفسيرا يلتئم به نظمها خلافا لما درج عليه المفسرون . 
وقرأ نافع  وحده " إنا لمبعوثون " بهمزة واحدة هي همزة " إن " باعتبار أنه جواب " إذا " الواقعة في حيز الاستفهام فهو من حيز الاستفهام . 
وقرأ غير نافع  أئنا بهمزتين : إحداهما همزة الاستفهام مؤكدة للهمزة الداخلة على ( إذا ) . 
وقوله " أو آباؤنا " قرأه  قالون  عن نافع  وابن عامر  وأبو جعفر  بسكون واو ( أو ) على أن الهمزة مع الواو حرف واحد هو ( أو ) العاطفة المفيدة للتقسيم هنا ،   [ ص: 99 ] ووجه العطف بـ " أو " هو جعلهم الآباء الأولين قسما آخر فكان عطفه ارتقاء في إظهار استحالة إعادة هذا القسم لأن آباءهم طالت عصور فنائهم فكانت إعادة حياتهم أوغل في الاستحالة . 
وقرأ الباقون بفتح الواو على أن الواو واو العطف والهمزة همزة استفهام فهما حرفان . وقدمت همزة الاستفهام على حرف العطف حسب الاستعمال الكثير . والتقدير : وأآباؤنا الأولون مثلنا . 
وعلى كلتا القراءتين فرفعه بالعطف على محل اسم " إن " الذي كان مبتدأ قبل دخول " إن " ، والغالب في العطف على اسم " إن " يرفع المعطوف اعتبارا بالمحل كما في قوله تعالى أن الله بريء من المشركين ورسوله  أو يجعل معطوفا على الضمير المستتر في خبر " إن " وهو هنا مرفوع بالنيابة عن الفاعل ولا يضر الفصل بين المعطوف عليه الذي هو ضمير متصل وبين حرف العطف ، أو بين المعطوف عليه والمعطوف بالهمزة المفضي إلى إعمال ما قبل الهمزة فيما بعدها ، وذلك ينافي صدارة الاستفهام ؛ لأن صدارة الاستفهام بالنسبة إلى جملته فلا ينافيها عمل عامل من جملة قبله ; لأن الإعمال اعتبار يعتبره المتكلم ويفهمه السامع فلا ينافي الترتيب اللفظي . 
والاستفهام في قوله " أئذا متنا    " إنكاري كما تقدم فلذلك كان قوله تعالى " قل نعم    " جوابا لقولهم " أئذا متنا    " على طريقة الأسلوب الحكيم بصرف قصدهم من الاستفهام إلى ظاهر الاستفهام فجعلوا كالسائلين : أيبعثون ؟ فقيل لهم : نعم ، تقريرا للبعث المستفهم عنه ، أي نعم تبعثون . وجيء بـ " قل " غير معطوف لأنه جار على طريقة الاستعمال في حكاية المحاورات كما تقدم عند قوله تعالى قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها  في سورة البقرة . 
وأنتم " داخرون " جملة في موضع الحال . والداخر : الصاغر الذليل ، أي تبعثون بعث إهانة مؤذنة بترقب العقاب لا بعث كرامة . 
وفرع على إثبات البعث الحاصل بقوله " نعم " ; أن بعثهم وشيك الحصول لا يقتضي معالجة ولا زمنا إن هي إلا إعادة تنتظر زجرة واحدة . 
 [ ص: 100 ] والزجرة : الصيحة ، وقد تقدم آنفا قوله تعالى فالزاجرات زجرا    . 
و ( واحدة ) تأكيد لما تفيده صيغة الفعلة من معنى المرة لدفع توهم أن يكون المراد من الصيحة الجنس دون الوجود ؛ لأن وزن الفعلة يجيء لمعنى المصدر دون المرة . 
وضمير " هي " ضمير القصة والشأن ، وهو لا معاد له ، إنما تفسره الجملة التي بعده . 
وفرع عليه " فإذا هم ينظرون    " ودل فاء التفريع على تعقيب المفاجأة ، ودل حرف المفاجأة على سرعة حصول ذلك . وقد تقدم ذلك في قوله تعالى إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون  في سورة يس . 
وكني عن الحياة الكاملة التي لا دهش يخالطها بالنظر في قوله " ينظرون " لأن النظر لا يكون إلا مع تمام الحياة . 
وأوثر النظر من بين بقية الحواس لمزيد اختصاصه بالمقام ؛ وهو التعريض بما اعتراهم من البهت لمشادة الحشر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					