[ ص: 65 ] وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه     . 
تذييل للكلام السابق المسوق للأمر بالإنفاق وصفاته المقبولة ، والتحذير من المثبطات عنه ابتداء من قوله : يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم    . 
والمقصود من هذا التذييل التذكير بأن الله لا يخفى عليه شيء من النفقات وصفاتها ، وأدمج النذر مع الإنفاق فكان الكلام جديرا بأن يكون تذييلا . 
والنذر  التزام قربة أو صدقة بصيغة الإيجاب على النفس ؛ كقوله : علي صدقة وعلي تجهيز غاز أو نحو ذلك ، ويكون مطلقا ومعلقا على شيء ، وقد عرفت العرب النذر من الجاهلية ، فقد نذر عبد المطلب  أنه إن رزق عشرة أولاد ليذبحن عاشرهم قربانا للكعبة  ، وكان ابنه العاشر هو عبد الله  ثاني الذبيحين ، وأكرم بها مزية ، ونذرت نتيلة  زوج عبد المطلب  لما افتقدت ابنها العباس    - وهو صغير - أنها لو وجدته لتكسون الكعبة  الديباج . ففعلت ، وهي أول من كسا الكعبة  الديباج ، وفي حديث  البخاري  أن  عمر بن الخطاب  قال : يا رسول الله ، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام    . فقال : أوف بنذرك   . 
وفي الأمم السابقة كان النذر  ، وقد حكى الله عن امرأة عمران    : إني نذرت لك ما في بطني محررا  والآية دلت على مشروعيته في الإسلام ، ورجاء ثوابه ، لعطفه على ما هو من فعل الخير سواء كان النذر مطلقا أم معلقا ؛ لأن الآية أطلقت ، ولأن قوله : فإن الله يعلمه  مراد به الوعد بالثواب ، وفي الحديث الصحيح عن عمر  وابنه عبد الله   وأبي هريرة  عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - : إن النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخر ، ولا يرد شيئا ، ولا يأتي ابن آدم بشيء لم يكن قدر له ، ولكنه يستخرج به من البخيل    . 
ومساقه الترغيب في النذر غير المعلق لا إبطال فائدة النذر ، وقد مدح الله عباده فقال : يوفون بالنذر  وفي الموطأ عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه   . 
و ( من ) في قوله : " من نفقة " و " من نذر " بيان لـ " ما أنفقتم " و " نذرتم " ، ولما كان شأن البيان أن يفيد معنى زائدا على معنى المبين ، وكان معنى البيان هنا عين معنى المبين ، تعين   [ ص: 66 ] أن يكون المقصود منه بيان المنفق والمنذور بما في تنكير مجروري " من " من إرادة أنواع النفقات والمنذورات ، فأكد بذلك العموم ما أفادته " ما " الشرطية من العموم من خير أو شر في سبيل الله أو في سبيل الطاغوت ، قال التفتازاني    : " مثل هذا البيان يكون لتأكيد العموم ومنع الخصوص " . 
وقوله : فإن الله يعلمه  كناية عن الجزاء عليه لأن علم الله بالكائنات لا يشك فيه السامعون فأريد لازم معناه ، وإنما كان لازما له ؛ لأن القادر لا يصده عن الجزاء إلا عدم العلم بما يفعله المحسن أو المسيء . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					