قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين  وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين    . 
بعد أن أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يجيب المشركين بأنه بشر يوحى إليه فما يملك إلجاءهم إلى الإيمان أمره عقب ذلك بمعاودة إرشادهم إلى الحق على طريقة الاستفهام عن كفرهم بالله ، مدمجا في ذلك تذكيرهم بالأدلة الدالة على أن الله واحد ، بطريقة التوبيخ على إشراكهم به في حين وضوح الدلائل على انفراده بالخلق واتصافه بتمام القدرة والعلم . 
فجملة قل أإنكم لتكفرون  إلى آخرها استئناف ابتدائي ثان هو جواب ثان عن مضمون قولهم إننا عاملون    . 
وهمزة الاستفهام المفتتح بها الكلام مستعملة في التوبيخ ، فقوله أإنكم لتكفرون  كقوله في سورة البقرة كيف تكفرون بالله    . 
وفي الافتتاح بالاستفهام وحرفي التوكيد تشويق لتلقي ما بعد ذلك لدلالة ذلك   [ ص: 242 ] على أن أمرا مهما سيلقى إليهم ، وتوكيد الخبر بـ إن ولام الابتداء بعد الاستفهام التوبيخي ، أو التعجيبي استعمال وارد كثيرا في الكلام الفصيح ، ليكون الإنكار لأمر محقق ، وهو هنا مبني على أنهم يحسبون أنهم مهتدون وعلى تجاهلهم الملازمة بين الانفراد بالخلق وبين استحقاق الإفراد بالعبادة فأعلموا بتوكيد أنهم يكفرون ، وبتوبيخهم على ذلك ، فالتوبيخ المفاد من الاستفهام مسلط على تحقيق كفرهم بالله ، وذلك من البلاغة بالمكانة العليا ، واحتمال أن يكون التوكيد مسلطا على التوبيخ والإنكار قلب لنظام الكلام . 
ومجيء فعل ( تكفرون ) بصيغة المضارع لإفادة أن تجدد كفرهم يوما فيوما مع سطوع الأدلة التي تقتضي الإقلاع عنه أمر أحق بالتوبيخ . 
ومعنى الكفر به الكفر بانفراده بالإلهية ، فلما أشركوا معه آلهة كانوا واقعين في إبطال إلهيته لأن التعدد ينافي حقيقة الإلهية فكأنهم أنكروا وجوده ؛ لأنهم لما أنكروا صفات ذاته فقد تصوروه على غير كنهه . 
وأدمج في هذا الاستدلال بيان خلق هذه العوالم ، فمحل الاستدلال هو صلة الموصول ، وأما ما تعلق بها فهو إدماج . 
والأرض : هي الكرة الأرضية بما فيها من يابس وبحار ، أي خلق جرمها . 
واليومان : تثنية يوم ، وهو الحصة التي بين طلوع الشمس من المشرق وطلوعها ثانية . والمراد : في مدة تساوي يومين مما عرفه الناس بعد خلق الأرض ؛ لأن النور والظلمة اللذين يقدر اليوم بظهورهما على الأرض لم يظهرا إلا بعد خلق الأرض ، وقد تقدم ذلك في سورة الأعراف . 
وإنما ابتدئ بذكر خلق الأرض ؛ لأن آثاره أظهر للعيان وهي في متناول الإنسان ، فلا جرم أن كانت الحجة عليهم بخلق الأرض أسبق نهوضا . ولأن النعمة بما تحتوي عليه الأرض أقوى وأعم فيظهر قبح الكفران بخالقها أوضح وأشنع . 
وعطف وتجعلون له أندادا  على لتكفرون تفسير لكفرهم بالله . وكان   [ ص: 243 ] مقتضى الظاهر أن في التفسير لا يعطف ، فعدل إلى عطفه ليكون مضمونه مستقلا بذاته . 
والأنداد : جمع ند بكسر النون وهو المثل . والمراد : أنداد في الإلهية . 
والتعبير عن الجلالة بالموصول دون الاسم العلم لما تؤذن به الصلة من تعليل التوبيخ ، لأن الذي خلق الأرض هو المستحق للعبادة . 
والإشارة بـ ذلك رب العالمين  إلى الذي خلق الأرض في يومين  وفي الإشارة نداء على بلادة رأيهم إذ لم يتفطنوا إلى أن الذي خلق الأرض هو رب العالمين ؛ لأنه خالق الأرض وما فيها ، ولا إلى أن ربوبيته تقتضي انتفاء الند والشريك ، وإذا كان هو رب العالمين فهو رب ما دون العالمين من الأجناس التي هي أحط من العقلاء كالحجارة والأخشاب التي منها صنع أصنامهم . 
وجملة ذلك رب العالمين  معترضة بين المعطوفات على الصلة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					