فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم   لما هون الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يلاقيه من شدة الحرص على إيمانهم ووعده النصر عليهم ، فرع على ذلك أن أمره بالثبات على دينه وكتابه وأن لا يخور عزمه في الدعوة ضجرا من تصلبهم في كفرهم ونفورهم من الحق . 
والاستمساك : شدة المسك ، فالسين والتاء فيه للتأكيد . 
والأمر به مستعمل في طلب الدوام ، لأن الأمر بفعل لمن هو متلبس به لا يكون لطلب الفعل بل لمعنى آخر وهو هنا طلب الثبات على التمسك بما أوحي إليه كما دل عليه قوله : " إنك على صراط مستقيم    " وهذا كما يدعى للعزيز المكرم ، فيقال : أعزك الله وأكرمك ، أي أدام ذلك ، وقوله : أحياك الله ، أي أطال حياتك ، ومنه قوله تعالى في تعليم الدعاء اهدنا الصراط المستقيم    . 
والذي أوحي إليه هو القرآن . 
وجملة إنك على صراط مستقيم  تأييد لطلب الاستمساك بالذي أوحي إليه وتعليل له . 
 [ ص: 220 ] والصراط المستقيم : هو العمل بالذي أوحي إليه ، فكأنه قيل : إنه صراط مستقيم ، ولكن عدل عن ذلك إلى إنك على صراط مستقيم  ليفيد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - راسخ في الاهتداء إلى مراد الله تعالى كما يتمكن السائر من طريق مستقيم لا يشوبه في سيره تردد في سلوكه ولا خشية الضلال في بنياته . ومثله قوله تعالى إنك على الحق المبين  في سورة النمل . 
وحرف ( على ) للاستعلاء المجازي المراد به التمكن كقوله أولئك على هدى من ربهم    . 
وهذا تثبيت للرسول - صلى الله عليه وسلم - وثناء عليه  بأنه ما زاغ قيد أنملة عما بعثه الله به ، كقوله إنك على الحق المبين ويتبعه تثبيت المؤمنين على إيمانهم . وهذا أيضا ثناء سادس على القرآن . 
				
						
						
