أفبهذا الحديث أنتم مدهنون     . 
الفاء تفريع على ما سيق لأجله الكلام الذي قبلها في غرضه من التنويه بشأن القرآن ، وهو الذي بحذو الفاء ، أو من إثبات البعث والجزاء وهو الذي حوى معظم السورة ، وكان التنويه بالقرآن من مسبباته . 
وأطبق المفسرون عدا الفخر على أن اسم الإشارة وبيانه بقوله أفبهذا الحديث  مشير إلى القرآن لمناسبة الانتقال من التنويه بشأنه إلى الإنكار على المكذبين به . فالتفريع على قولهإنه لقرآن كريم  الآية . 
 [ ص: 338 ] والمراد بـ " الحديث " إخبار الله تعالى بالقرآن وإرادة القرآن من مثل قوله أفبهذا الحديث  واردة في القرآن ، أي في قوله في سورة القلم فذرني ومن يكذب بهذا الحديث  وقوله في سورة النجم أفمن هذا الحديث تعجبون    . 
ويكون العدول عن الإضمار إلى اسم الإشارة بقوله أفبهذا الحديث  دون أن يقول : أفبه أنتم مدهنون ، إخراجا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر لتحصل باسم الإشارة زيادة التنويه بالقرآن . 
وأما الفخر  فجعل الإشارة من قوله أفبهذا الحديث  إشارة إلى ما تحدثوا به من قبل في قوله تعالى وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون  أوآباؤنا الأولون ، فإن الله رد عليهم ذلك بقوله قل إن الأولين والآخرين  الآية . وبين أن ذلك كله إخبار من الله بقوله إنه لقرآن كريم  ثم عاد إلى كلامهم فقال : أفبهذا الحديث الذي تتحدثون به أنتم مدهنون لأصحابكم . اهـ ، أي على معنى قوله تعالى وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا    . 
وإنه لكلام جيد ولو جعل المراد من هذا الحديث جميع ما تقدم من أول السورة أصلا وتفريعا ، أي من هذا الكلام الذي قرع أسماعكم ، لكان أجود . وإطلاق الحديث على خبر البعث أوضح لأن الحديث يراد به الخبر الذي صار حديثا للقوم . 
والتعريف في الحديث على كلا التفسيرين تعريف العهد . 
والمدهن : الذي يظهر خلاف ما يبطن ، يقال : أدهن ، ويقال : داهن ، وفسر أيضا بالتهاون وعدم الأخذ بالحزم ، وفسر بالتكذيب . 
والاستفهام على كل التفاسير مستعمل في التوبيخ ، أي كلامكم لا ينبغي إلا أن يكون مداهنة كما يقال لأحد قال كلاما باطلا : أتهزأ ؟ أي قد نهض برهان صدق القرآن بحيث لا يكذب به مكذب إلا وهو لا يعتقد أنه كذب لأن حصول العلم بما قام عليه البرهان لا يستطيع صاحبه دفعه عن نفسه ، فليس إصراركم   [ ص: 339 ] على التكذيب بعد ذلك إلا مداهنة لقومكم تخشون إن صدقتم بهذا الحديث أن تزول رئاستكم ، فيكون في معنى قوله تعالى فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون    . 
وعلى تفسير مدهنون بمعنى الإلانة ، فالمعنى : لا تتراخوا في هذا الحديث وتدبروه وخذوا بالفور في اتباعه . 
وإن فسر مدهنون بمعنى : تكذبون ، فالمعنى واضح . 
وتقديم المجرور للاهتمام . 
وصوغ الجملة الاسمية في أنتم مدهنون  لأن المقرر إدهان ثابت مستمر . 
				
						
						
