وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله  ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير    . 
بعد أن ذكر حالهم في اختلاء بعضهم ببعض ذكر حال نياتهم الخبيثة عند الحضور في مجلس النبيء - صلى الله عليه وسلم - فإنهم يتتبعون سوء نياتهم من كلمات يتبادر منها للسامعين أنها صالحة ، فكانوا إذا دخلوا على النبيء - صلى الله عليه وسلم - يخفتون لفظ " السلام عليكم " لأنه شعار الإسلام ولما فيه من معنى جمع السلامة يعدلون عن ذلك ويقولون : أنعم صباحا  ، وهي تحية العرب في الجاهلية لأنهم لا يحبون أن يتركوا عوائد الجاهلية . نقله ابن عطية  عن  ابن عباس    . 
فمعنى بما لم يحيك به الله  ، بغير لفظ السلام ، فإن الله حياه بذلك بخصوصه في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما    . وحياه به في عموم الأنبياء بقوله قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى    . وتحية الله هي التحية الكاملة . 
وليس المراد من هذه الآية ما ورد في حديث : أن اليهود  كانوا إذا حيوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - قالوا : السام عليك ، وأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - كان يرد عليهم بقوله وعليكم   . فإن ذلك وارد في قوم معروف أنهم من اليهود    . وما ذكر أول هذه الآية لا يليق حمله على أحوال اليهود  كما علمت آنفا ، ولو حمل ضمير جاءوك على اليهود  لزم عليه تشتيت الضمائر . 
أما هذه الآية ففي أحوال المنافقين  ، وهذا مثل ما كان بعضهم يقول للنبيء - صلى الله عليه وسلم - راعنا تعلموها من اليهود  وهم يريدون التوجيه بالرعونة ، فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم  ولم يرد منه نهي اليهود    . 
ومعنى يقولون في أنفسهم يقول بعضهم لبعض على نحو قوله تعالى   [ ص: 32 ] فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم    . وقوله ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا  ، أي ظن بعضهم ببعض خيرا ، أي يقول بعضهم لبعض . 
ويجوز أن يكون المراد بـ " أنفسهم " مجامعهم كقوله تعالى وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا  ، أي قل لهم خاليا بهم سترا عليهم من الافتضاح . وتقدم في سورة النساء ، ولولا للتحضيض ، أي هلا يعذبنا الله بسبب كلامنا الذي نتناجى به من ذم النبيء - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك ، أي يقولون ما معناه لو كان محمد  نبيئا لعذبنا الله بما نقوله من السوء فيه ومن الذم ، وهو ما لخصه الله من قولهم بكلمة لولا يعذبنا الله  فإن لولا للتحضيض مستعملة كناية عن جحد نبوة النبيء - صلى الله عليه وسلم - أي لو كان نبيئا لغضب الله علينا فلعذبنا الآن بسبب قولنا له . 
وهذا خاطر من خواطر أهل الضلالة المتأصلة فيهم ، وهي توهمهم أن شأن الله تعالى كشأن البشر في إسراع الانتقام والاهتزاز مما لا يرضاه ومن المعاندة . وفي الحديث لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله ، يدعون له ندا وهو يرزقهم على أنهم لجحودهم بالبعث والجزاء يحسبون أن عقاب الله تعالى يظهر في الدنيا . وهذا من الغرور قال تعالى وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين  ، ولذلك قال تعالى ردا على كلامهم حسبهم جهنم   أي كافيهم من العذاب جهنم فإنه عذاب . 
وأصل " يصلونها " يصلون بها ، فضمن معنى يذوقونها أو يحسونها وقد تكرر هذا الاستعمال في القرآن . 
وقوله فبئس المصير  تفريع على الوعيد بشأن ذم جهنم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					