قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم  ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون    . 
رجوع إلى المجادلة ، بعد انقطاعها بالدعاء إلى المباهلة ، بعث عليه الحرص على إيمانهم ، وإشارة إلى شيء من زيغ أهل الكتابين عن حقيقة إسلام الوجه لله كما تقدم بيانه . وقد جيء في هذه المجادلة بحجة لا يجدون عنها موئلا ، وهي دعوتهم إلى تخصيص الله بالعبادة ونبذ عقيدة إشراك غيره في الإلهية . فجملة قل يا أهل الكتاب بمنزلة التأكيد لجملة فقل تعالوا ندع أبناءنا  لأن مدلول الأولى احتجاج عليهم بضعف ثقتهم بأحقية اعتقادهم ، ومدلول هذه احتجاج عليهم بصحة عقيدة الإسلام ، ولذلك لم تعطف هذه الجملة . والمراد بأهل الكتاب هنا النصارى    : لأنهم هم الذين اتخذوا المخلوق ربا وعبدوه مع الله . 
وتعالوا هنا مستعملة في طلب الاجتماع على كلمة سواء وهو تمثيل : جعلت الكلمة المجتمع عليها بشبه المكان المراد الاجتماع عنده . وتقدم الكلام على " تعالوا " قريبا . 
والكلمة هنا أطلقت على الكلام الوجيز كما في قوله تعالى : كلا إنها كلمة هو قائلها    . 
 [ ص: 269 ] و " سواء " هنا اسم مصدر الاستواء ، قيل بمعنى العدل ، وقيل بمعنى قصد لا شطط فيها ، وهذان يكونان من قولهم : مكان سواء وسوى وسوى بمعنى متوسط قال تعالى : فرآه في سواء الجحيم    . وقال ابن عطية    : بمعنى ما يستوي فيه جميع الناس ، فإن اتخاذ بعضهم بعضا أربابا ، لا يكون على استواء حال ، وهو قول حسن . وعلى كل معنى فالسواء غير مؤنث ، وصف به " كلمة " وهو لفظ مؤنث ، لأن الوصف بالمصدر واسم المصدر لا مطابقة فيه . 
وألا نعبد بدل من " كلمة " وقال جماعة : هو بدل من " سواء " ورده ابن هشام ،  في النوع الثاني من الجهة السادسة من جهات قواعد الإعراب من مغني اللبيب ، واعترضه الدماميني  وغيره . 
والحق أنه مردود من جهة مراعاة الاصطلاح لا من جهة المعنى ; لأن " سواء " وصف لـ " كلمة " و " ألا نعبد " لو جعل بدلا من " سواء " آل إلى كونه في قوة الوصف لـ " كلمة " ولا يحسن وصف " كلمة " به . 
وضمير " بيننا " عائد على معلوم من المقام : وهو النبيء - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ، ولذلك جاء بعده فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون    . 
ويستفاد من قوله ألا نعبد إلا الله إلى آخره ، التعريض بالذين عبدوا المسيح   كلهم . 
وقوله فإن تولوا جيء في هذا الشرط بحرف " إن " لأن التولي بعد نهوض هذه الحجة وما قبلها من الأدلة غريب الوقوع ، فالمقام مشتمل على ما هو صالح لاقتلاع حصول هذا الشرط ، فصار فعل الشرط من شأنه أن يكون نادر الوقوع مفروضا ، وذلك من مواقع " إن " الشرطية فإن كان ذلك منهم فقد صاروا بحيث يؤيس من إسلامهم فأعرضوا عنهم ، وأمسكوا أنتم بإسلامكم ، وأشهدوهم أنكم على إسلامكم . ومعنى هذا الإشهاد التسجيل عليهم لئلا يظهروا إعراض المسلمين عن الاسترسال في محاجتهم في صورة العجز والتسليم بأحقية ما عليه أهل الكتاب فهذا معنى الإشهاد عليهم بأنا مسلمون . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					