يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون  والله عليم بذات الصدور    . 
كانوا ينفون الحشر بعلة أنه إذا تفرقت أجزاء الجسد لا يمكن جمعها ولا يحاط بها . وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد  فكان قوله تعالى يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون  دحضا لشبهتهم ، أي أن الذي يعلم ما في السماوات والأرض لا يعجزه تفرق أجزاء البدن إذا أراد جمعها    . والذي يعلم السر في نفس الإنسان ، والسر أدق وأخفى من ذرات الأجساد المتفرقة ، لا تخفى عليه مواقع تلك الأجزاء الدقيقة ولذلك قال تعالى أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه  بلى قادرين على أن نسوي بنانه    . 
فالمقصود هو قوله ويعلم ما تسرون  كما يقتضيه الاقتصار عليه في تذييله بقوله والله عليم بذات الصدور  ولم يذكر أنه عليم بأعمال الجوارح ، ولأن الخطاب للمشركين في مكة  على الراجح . وذلك قبل ظهور المنافقين فلم يكن قوله ويعلم ما تسرون وما تعلنون  تهديدا على ما يبطنه الناس من الكفر . 
 [ ص: 267 ] وأما عطف ( وما تعلنون    ) فتتميم للتذكير بعموم تعلق علمه تعالى بالأعمال . 
وقد تضمن قوله ويعلم ما تسرون وما تعلنون  وعيدا ووعدا ناظرين إلى قوله فمنكم كافر ومنكم مؤمن  فكانت الجملة لذلك شديدة الاتصال بجملة هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن    . 
وإعادة فعل ( يعلم ) للتنبيه على العناية بهذا التعلق الخاص للعلم الإلهي بعد ذكر تعلقه العام في قوله يعلم ما في السماوات والأرض  تنبيها على الوعيد والوعد بوجه خاص . 
وجملة والله عليم بذات الصدور  تذييل لجملة ويعلم ما تسرون  لأنه يعلم ما سيره جميع الناس من المخاطبين وغيرهم . 
و ( ذات الصدور ) صفة لموصوف محذوف نزلت منزلة موصوفها ، أي صاحبات الصدور ، أي المكتومة فيها . 
والتقدير : بالنوايا والخواطر ذات الصدور كقوله وحملناه على ذات ألواح  وتقدم بيانه عند قوله تعالى إنه عليم بذات الصدور  في سورة الأنفال . 
				
						
						
