[ ص: 370 ] يوم لا يخزي الله النبيء والذين آمنوا معه  نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير    . 
( يوم ) ظرف متعلق ب ( يدخلكم جنات ) وهو تعليق تخلص إلى الثناء على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه . وهو يوم القيامة وهذا الثناء عليهم بانتفاء خزي الله عنهم تعريض بأن الذين لم يؤمنوا معه يخزيهم الله يوم القيامة وذكر النبيء - صلى الله عليه وسلم - مع الذين آمنوا لتشريف المؤمنين ولا علاقة له بالتعريض . 
والخزي : هو عذاب النار ، وحكى الله تعالى عن إبراهيم  عليه السلام قوله ( ولا تخزني يوم يبعثون    ) على أن انتفاء الخزي يومئذ يستلزم الكرامة إذ لا واسطة بينهما كما أشعر به قوله تعالى ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز    ) . 
وفي صلة ( الذين آمنوا معه    ) إيذان بأن سبب انتفاء الخزي عنهم هو إيمانهم . 
ومعية المؤمنين مع النبيء - صلى الله عليه وسلم - صحبتهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - . 
و ( مع ) يجوز تعلقها بمحذوف حال من ( الذين آمنوا    ) أي حال كونهم مع الشيء في انتفاء خزي الله عنهم فيكون عموم ( الذين آمنوا    ) مخصوصا بغير الذين يتحقق فيهم خزي الكفر وهم الذين ارتدوا وماتوا على الكفر . 
وفي هذه الآية دليل على المغفرة لجميع أصحاب النبيء    - صلى الله عليه وسلم - . 
ويجوز تعلق ( مع ) بفعل ( آمنوا ) أي الذين آمنوا به وصحبوه ، فيكون مرادا به أصحاب النبيء - صلى الله عليه وسلم - الذين آمنوا به ولم يرتدوا بعده ، فتكون الآية مؤذنة بفضيلة للصحابة . 
وضمير ( نورهم ) عائد إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا معه . 
وإضافة ( نور ) إلى ضمير ( هم ) مع أنه لم يسبق إخبار عنهم بنور لهم ليست إضافة تعريف إذ ليس المقصود تعريف النور وتعيينه ولكن الإضافة مستعملة هنا في لازم   [ ص: 371 ] معناها وهو اختصاص النور بهم في ذلك اليوم بحيث يميزه الناس من بين الأنوار يومئذ . 
وسعي النور : امتداده وانتشاره . شبه ذلك باشتداد مشي الماشي وذلك أنه يحف بهم حيثما انتقلوا تنويها بشأنهم كما تنشر الأعلام بين يدي الأمير والقائد وكما تساق الجياد بين يدي الخليفة . 
وإنما خص بالذكر من الجهات الأمام واليمين لأن النور إذا كان بين أيديهم تمتعوا بمشاهدته وشعروا بأنه كرامة لهم ولأن الأيدي هي التي تمسك بها الأمور النفيسة وبها بايعوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - على الإيمان والنصر . وهذا النور نور حقيقي يجعله الله للمؤمنين يوم القيامة . والباء للملابسة ، ويجوز أن تكون بمعنى عن . 
وقد تقدم نظير هذا في سورة الحديد وما ذكرناه هنا أوسع . 
وجملة ( يقولون ربنا أتمم لنا نورنا    ) إلى آخرها حال من ضمير ( نورهم ) ، وظاهره أن يكون حالا مقارنة ، أي يقولون ذلك في ذلك اليوم ، ودعاؤهم طلب للزيادة من ذلك النور ، فيكون ضمير ( يقولون ) عائدا إلى جميع الذين آمنوا مع النبيء - صلى الله عليه وسلم - يومئذ ، أو يقول ذلك من كان نوره أقل من نور غيره ممن هو أفضل منه يومئذ فيكون ضمير ( يقولون ) على إرادة التوزيع على طوائف الذين آمنوا في ذلك اليوم . 
وإتمام النور إدامته أو الزيادة منه على الوجهين المذكورين آنفا وكذلك الدعاء بطلب المغفرة لهم هو لطلب دوام المغفرة ، وذلك كله أدب مع الله وتواضع له مثل ما قيل في استغفار النبيء - صلى الله عليه وسلم - في اليوم سبعين مرة . 
ويظهر بذلك وجه التذييل بقولهم ( إنك على كل شيء قدير    ) المشعر بتعليل الدعاء كناية عن رجاء إجابته لهم . 
				
						
						
