كلا سيعلمون
كلا حرف ردع وإبطال لشيء يسبقه غالبا في الكلام يقتضي ردع المنسوب إليه وإبطال ما نسب إليه ، وهو هنا ردع للذين يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون على ما يحتمله التساؤل من المعاني المتقدمة ، وإبطال لما تضمنته جملة يتساءلون من تساؤل معلوم للسامعين .
فموقع الجملة موقع الجواب عن السؤال ، ولذلك فصلت ولم تعطف ; لأن ذلك طريقة السؤال والجواب .
والكلام وإن كان إخبارا عنهم فإنهم المقصودون به ، فالردع موجه إليهم بهذا الاعتبار .
والمعنى : إبطال الاختلاف في ذلك النبأ وإنكار التساؤل عنه ، ذلك التساؤل الذي أرادوا به الاستهزاء وإنكار الوقوع ، وذلك يثبت وقوع ما جاء به النبأ وأنه حق ; لأن إبطال إنكار وقوعه يفضي إلى إثبات وقوعه .
والغالب في استعمال ( كلا ) أن تعقب بكلام يبين ما أجملته من الردع والإبطال ; فلذلك عقبت هنا بقوله : ( سيعلمون ) وهو زيادة في إبطال كلامهم بتحقيق أنهم سيوقنون بوقوعه ويعاقبون على إنكاره ؛ فهما علمان يحصلان لهم بعد الموت : علم بحق وقوع البعث ، وعلم في العقاب عليه .
[ ص: 12 ] ولذلك حذف مفعول ( سيعلمون ) ليعم المعلومين ، فإنهم عند الموت يرون ما سيصيرون إليه ، فقد جاء في الحديث الصحيح : الكافر يرى مقعده فيقال له : هذا مقعدك حتى تبعث ، وفي الحديث : إن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، وذلك من مشاهد روح المقبور ، وهي من المكاشفات الروحية ، وفسر بها قوله تعالى : لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين .
فتضمن هذا الإبطال وما بعده إعلاما بأن واقع ، وتضمن وعيدا ، وقد وقع تأكيده بحرف الاستقبال الذي شأنه إفادة تقريب المستقبل . يوم البعث
ومن محاسن هذا الأسلوب في الوعيد أن فيه إيهاما بأنهم سيعلمون جواب سؤالهم الذي أرادوا به الإحالة والتهكم ، وصوروه في صورة طلب الجواب ، فهذا الجواب من باب قول الناس : الجواب ما ترى لا ما تسمع .