لا يملكون منه خطابا   
يجوز أن تكون هذه الجملة حالا من ( ما بينهما ) لأن ما بين السماوات والأرض يشمل ما في ذلك من المخلوقات العاقلة ، أو المزعوم لها العقل مثل الأصنام ، فيتوهم أن من تلك المخلوقات من يستطيع خطاب الله ومراجعته . 
ويجوز أن تكون استئنافا ابتدائيا لإبطال مزاعم المشركين أو للاحتراس لدفع توهم أن ما تشعر به صلة رب من الرفق بالمربوبين في تدبير شؤونهم يسيغ إقدامهم على خطاب الرب . 
 [ ص: 50 ] والملك في قوله : لا يملكون منه خطابا  معناه القدرة والاستطاعة ; لأن المالك يتصرف فيما يملكه حسب رغبته لا رغبة غيره ، فلا يحتاج إلى إذن غيره . 
فنفي الملك نفي للاستطاعة . 
وقوله : ( منه ) حال من ( خطابا ) . وأصله صفة لخطاب فلما تقدم على موصوفه صار حالا . 
وحرف ( من ) اتصالية ، وهي ضرب من الابتدائية مجازية كقوله تعالى : إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء  ، ف ( من ) الأولى اتصالية والثانية لتوكيد النص . ومنه قولهم : لست منك ولست مني . وقوله تعالى : ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء  أي : لا يستطيعون خطابا يبلغونه إلى الله . 
وضمير لا يملكون  عائد إلى ما الموصولة في قوله : وما بينهما  لأنها صادقة على جميعهم . 
والخطاب : الكلام الموجه لحاضر لدى المتكلم ، أو كالحاضر المتضمن إخبارا أو طلبا أو إنشاء مدح أو ذم . 
وفعل ( يملكون ) يعم لوقوعه في سياق النفي كما تعم النكرة المنفية . و ( خطابا ) عام أيضا وكلاهما من العام المخصوص بمخصص منفصل كقوله عقب هذه الآية لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا  وقوله : يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه  وقوله : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه  وقوله : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى    . 
والغرض من ذكر هذا إبطال اعتذار المشركين حين استشعروا شناعة عبادتهم الأصنام التي شهر القرآن بها فقالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله  ، وقالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى    . 
				
						
						
