إن هذا لفي الصحف الأولى   صحف إبراهيم وموسى    . 
تذييل للكلام وتنويه به بأنه من الكلام النافع الثابت في كتب إبراهيم  وموسى  عليهما السلام ، قصد به الإبلاغ للمشركين الذين كانوا يعرفون رسالة إبراهيم  ورسالة موسى ،  ولذلك أكد هذا الخبر بـ إن ولام الابتداء لأنه مسوق إلى المنكرين . 
 [ ص: 291 ] والإشارة بكلمة هذا إلى مجموع قوله : قد أفلح من تزكى  إلى قوله : وأبقى فإن ما قبل ذلك من أول السورة إلى قوله : قد أفلح من تزكى  ليس مما ثبت معناه في صحف إبراهيم  وموسى  عليهما السلام . 
روى ابن مردويه  والآجري عن أبي ذر  قال : قلت يا رسول الله ، هل أنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم  وموسى  ؟  قال : نعم قد أفلح من تزكى  وذكر اسم ربه فصلى  بل تؤثرون الحياة الدنيا  والآخرة خير وأبقى  لم أقف على مرتبة هذا الحديث . 
ومعنى الظرفية في قوله : لفي الصحف  أن مماثله في المعنى مكتوب في الصحف الأولى ، فأطلقت الصحف على ما هو مكتوب فيها على وجه المجاز المرسل كما في قوله تعالى : وقالوا ربنا عجل لنا قطنا  أي : ما في قطنا وهو صك الأعمال . 
والصحف : جمع صحيفة على غير قياس ; لأن قياس جمعه صحائف ، ولكنه مع كونه غير مقيس هو الأفصح كما قالوا : سفن في جمع سفينة ، ووجه جمع الصحف أن إبراهيم  كان له صحف وأن موسى  كانت له صحف كثيرة وهي مجموع صحف أسفار التوراة . 
وجاء نظم الكلام على أسلوب الإجمال والتفصيل ليكون هذا الخبر مزيد تقرير في أذهان الناس فقوله : صحف إبراهيم وموسى  بدل من الصحف الأولى    . 
والأولى : وصف لصحف الذي هو جمع تكسير فله حكم التأنيث ، والأولى صيغة تفضيل ، واختلف في الحروف الأصلية للفظ أول ، فقيل : حروفه الأصول همزة فواو ( مكررة ) فلام ذكره في اللسان فيكون وزن أول : أأول ، فقلبت الهمزة الثانية واوا وأدغمت في الواو . وقيل : أصوله : واوان ولام وأن الهمزة التي في أوله مزيدة فوزن أول : أفعل وإدغام إحدى الواوين ظاهر . 
وقيل : حروفه الأصلية واو وهمزة ولام فأصل أول أو أل بوزن أفعل قلبت الهمزة التي بعد الواو واوا وأدغما . 
والأولى : مؤنث أفعل من هذه المادة ، فإما أن نقول : أصلها أولى   [ ص: 292 ] سكنت الواو سكونا ميتا لوقوعها إثر ضمة ، أو أصلها : وولى بواو مضمومة في أوله وسكنت الواو الثانية أيضا ، أو أصلها : وألى بواو مضمومة ثم همزة ساكنة فوقع فيه قلب ، فقيل : أولى فوزنها على هذا عفلى . 
والمراد بالأولية في وصف الصحف سبق الزمان بالنسبة إلى القرآن لا التي لم يسبقها غيرها ; لأنه قد روي أن بعض الرسل قبل إبراهيم  أنزلت عليهم صحف . فهو كوصف عاد بـ الأولى في قوله : وأنه أهلك عادا الأولى  وقوله تعالى : هذا نذير من النذر الأولى  وفي حديث  البخاري    : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت   . 
وأخرج  عبد بن حميد  وابن مردويه   وابن عساكر   وأبو بكر الآجري  عن أبي ذر  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صحف إبراهيم  كانت عشر صحائف   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					