أعقبت مساوي نفسه بمذام أقواله ، وهو التفخر الكاذب والتمدح بإتلاف المال في غير صلاح ، وقد كان أهل الجاهلية يتبجحون بإتلاف المال ويعدونه منقبة لإيذانه بقلة اكتراث صاحبه به ، قال عنترة :
[ ص: 353 ]
وإذا سكرت فإنني مستهلك مالي وعرضي وافر لم يكلم وإذا صحوت فما أقصر عن ندى
وكما علمت شمائلي وتكرمي
وجملة : ( يقول أهلكت مالا ) في موضع الحال من ( الإنسان ) . وذلك من الكبد .
وجملة ( أيحسب أن لم يره أحد ) بدل اشتمال من جملة ( يقول أهلكت مالا ) ; لأن قوله : ( أهلكت مالا لبدا ) يصدر منه وهو يحسب أنه راج كذبه على جميع الناس وهو لا يخلو من ناس يطلعون على كذبه ، قال زهير :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم
والاستفهام إنكار وتوبيخ وهو كناية عن علم الله تعالى بدخيلته وأن افتخاره بالكرم باطل .
و ( لبدا ) بضم اللام وفتح الموحدة في قراءة الجمهور ، وهو جمع لبدة بضم اللام ، وهي ما تلبد من صوف أو شعر ، أي : تجمع والتصق بعضه ببعض . وقرأه أبو جعفر ( لبدا ) بضم اللام وتشديد الباء على أنه جمع لابد بمعنى مجتمع بعضه إلى بعض مثل : صيم وقيم ، أو على أنه اسم على زنة فعل ، مثل : زمل للجبان ، وجبأ للضعيف .