ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما   ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا    . 
قوله : ولا تقتلوا أنفسكم  نهي عن أن يقتل الرجل غيره ، فالضميران فيه على التوزيع ، إذ قد علم أن أحدا لا يقتل نفسه فينهى عن ذلك ، وقتل الرجل نفسه داخل في النهي ، لأن الله لم يبح للإنسان إتلاف نفسه كما أباح له صرف ماله ، أما أن يكون المراد هنا خصوص النهي عن قتل المرء نفسه  فلا . وأما ما في مسند أبي داود    : أن  عمرو بن العاص    - رضي الله عنه - تيمم في يوم شديد البرد ولم يغتسل ، وذلك في غزوة ذات السلاسل وصلى بالناس ، وبلغ ذلك رسول الله ، فسأله وقال : يا رسول الله إن الله يقول ولا تقتلوا أنفسكم  ، فلم ينكر عليه النبيء - صلى الله عليه وسلم   - فذلك من الاحتجاج بعموم ضمير " تقتلوا " دون خصوص السبب . 
وقوله : ومن يفعل ذلك  أي المذكور : من أكل المال بالباطل والقتل . وقيل : الإشارة إلى ما ذكر من قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها  لأن ذلك كله لم يرد بعده وعيد ، وورد وعيد قبله ، قاله  الطبري  ، وإنما قيده بالعدوان والظلم ليخرج أكل المال بوجه الحق ، وقتل النفس كذلك ، كقتل القاتل ، وفي الحديث فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها   . 
والعدوان بضم العين مصدر بوزن كفران ، ويقال بكسر العين وهو التسلط بشدة ، فقد يكون بظلم غالبا ، ويكون بحق ، قال تعالى : فلا عدوان إلا على الظالمين  وعطف قوله " وظلما " على " عدوانا " من عطف الخاص على العام . 
و ( سوف ) حرف يدخل على المضارع فيمحضه للزمن المستقبل ، وهو مرادف للسين على الأصح ، وقال بعض النحاة : ( سوف ) تدل على مستقبل بعيد وسماه : التسويف ، وليس في   [ ص: 26 ] الاستعمال ما يشهد لهذا ، وقد تقدم عند قوله : وسيصلون سعيرا  في هذه السورة . و ( نصليه ) نجعله صاليا أو محترقا ، وقد مضى فعل صلي أيضا ، ووجه نصب " نارا " هنالك ، والآية دلت على كليتين من كليات الشريعة : وهما حفظ الأموال وحفظ الأنفس ، من قسم المناسب الضروري . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					